أحداث الكويت: المنطقة بانتظار تطورات خطيرة واستحقاقات كبيرة..!

TT

ما جرى في الكويت في الفترة الأخيرة، من اشتباكات ومواجهات مع المجموعات الإرهابية المقبلة من الخارج، والخارجة من بيض التطرف والعنف في الداخل، ليس مجرد ناقوس خطر بل إنذار، بالرصاص الحي، للمنطقة كلها بأن المقبل سيكون أعظم وأكثر دموية ودماراً وتخريباً، إذا لم تتحرك دول هذه المنطقة بسرعة، لتشكيل جبهة موحدة لمواجهة ما هي بانتظاره، وما سيأتي إن ليس اليوم ففي الغد القريب.

لو أن مثل هذا الخطر الداهم يواجه بالمنطق وبالحوار الهادئ، وبما هو صحيح وما هو غير صحيح، فلما شهدت الكويت تحديداً أي عمل من هذه الأعمال الإجرامية، فتحرير هذا البلد من احتلال «أخوي»..! بغيض، ما كان من الممكن ان يتم وبالسرعة التي تم بها، لولا ذلك التحالف الدولي الكبير الذي قاده الأميركيون، الذين يحاول بعض الكويتيين المغطاة عيونهم بغشاوة الإرهاب، مكافأتهم على ما فعلوه بالقتل والإرهاب وبالرصاص والقنابل.

لا يمكن مواجهة هذه الزلازل والفيضانات العاتية، التي تشبه الزلازل والفيضانات الآسيوية الأخيرة، التي تتحرك الآن بسرعة هوجائية نحو هذه المنطقة، بالعتاب والنوايا الحسنة وبالمنطق والحوار «الأخوي»، فالأمور تجاوزت هذه الحدود، وأصبح الحل هو: إمّا ان تَقْتُل وإما ان تُقْتَل. وحكمة: «إذا ضربك أخوك على خدِّك الأيسر، فأدر له الأيمن»، لا تنطبق على هذه الحالة على الإطلاق، وهي غير ذات جدوى بالنسبة لمواجهة هذا العنف الدموي الأهوج.

لم يدرك البعض، وفي الحقيقة لم تدرك بعض دول هذه المنطقة، ان النيران عندما تندلع في منـزل جارك فإنها ستنتقل الى منـزلك حتماً، إذا لم تسارع للمشاركة في إطفائها. وهذا ما حصل بالضبط عندما اكتفت بعض الدول بالاستمتاع بمراقبة ما كان يجـــري في دول شقيقة، ومتابعته عبر شاشات الفضائيات بطـريقة متابعة المسلسلات «الدرامية» المسلية، ولم تتذكر المثل العربي القائل: «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض».

هناك دول مجاورة ومتاخمة من بينها «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» بدأت كفة موازين القوى فيها تميل لمصلحة التيار الأكثر تشدداً، والذي يضع العمامة السوداء أو البيضاء، لا فرق، فوق رأس محشوٍ بالنـزعة التوسعية القومية، لإعادة أمجاد امبراطورية استطاعت، قبل بزوغ فجر الإسلام العظيم الذي جعل كل أبناء هذه المنطقة إخواناً، مدَّ مجالها الحيوي الى مصر واليمن، بالإضافة الى شرقي البحر الأبيض المتوسط كله.

هذه ليست دعوة لتشكيل جبهة أو محورٍٍ سياسي وعسكري ضد إيران، فإيران دولة شقيقة وجارة عزيزة، يجب ان تكون العلاقات معها مبنية على حسن الجوار والمصالح المشتركة،.. إن هذه دعوة لاتخاذ وضعية الدفاع الإيجابي، ضد تيار بدأ يكتسح مراكز النفوذ الإيرانية، ويسيطر عليها موقعاً بعد موقع، وهو تيار سينتقل حتماً الى الضفة الاخرى من «الخليج»، بمجرد حسم المعركة في الداخل وإقصاء رئيس الجمهورية محمد خاتمي وتياره المعتدل، الذي بدأ يتراجع تراجعاً كيفياً في الفترة الأخيرة.

ثم، وغير هذا، فإنه على دول المنطقة ان تتذكر الآن، وهي ترى كل هذا الغليان في منطقتها، تلك التجـــربة المرة في أفغانستان، حيث ارتد الذين ذهبوا الى هناك لمحاربة «الإلحاد الشيوعي» على الأنظمة التي أرسلتهم، وأخذوا يشنون عليها وعلى مجتمعاتها حروباً «تكفيرية»، جاء آخر ما جرى في الكويت قبل أيام وجهاً من وجوهها البشعة والقبيحة.

لقد تحولت أفغانستان من ساحة جهاد ضد «الإلحاد الشيوعي»، إلى مفرخة للإرهاب العالمي، الذي لم يكتفِ بالارتداد على الولايات المتحدة التي أطلقته من قمقمه، وهيأت له كل أشكال الرعاية والتدريب، عندما كانت بحاجة إليه في ذروة صراعها مع الاتحاد السوفياتي السابق، بل وارتد أيضاً على الدول العربية والإسلامية، فجرى ذلك الذي جرى في مصر والجزائر والمملكة العربية السعودية واليمن والأردن، وما يجري الآن في الكويت.

والآن فالعراق الذي بقي مـُحتقناً لسنوات طويلة، بات يأخذ دور أفغانستان في التحول الى حاضنة للإرهاب ومفرخة له، وهنا فإن ما يجب ان تأخذه الدول العربية القريبة والبعيدة بعين الاعتبار، هو ان هذه النيران المضطرمة على ضفاف الرافدين، لن تبقى محصورة في الموقد العراقي، وان هذا الشرر الذي يتطاير في شتى الاتجاهات، لن يبقى مجرد شرر، وسيتحول الى نيران مرتفعة ألسنة اللهب، وعلى غرار ما يجري في العديد من الدول العربية.

ربما تعتقد بعض الدول أنه في مصلحتها ان تأكل النار بعضها في العراق، وان يجري استيعاب الاميركيين و «إصلاحاتهم» وتهديداتهم في الموقد العراقي. لكن على هذه الدول ان تأخذ الدرس الأفغاني بعين الاعتبار. فالمنطقة منطقة نفطية، وهناك بيئات مهيأة لالتقاط الشرر المتطاير من أرض الرافدين.. والإرهاب مثله مثل فايروس «سارس» الآسيوي، فهو سريع التكاثر وسريع الانتقال منطقة الى أخرى.

إن ما لا يدركه الذين يحاولون التقرب من المذهبية السياسية في العراق، عبر بوابة مراكز النفود المتطرفة في إيران، ويحاولون مصادقة السنية الحزبية عبر الشراكة التاريخية في حزب البعث، ان المارد الطائفي والمذهبي، وإذا خرج من قمقمه، فإنه سيتجه أول ما سيتجه إليهم، لأن أوضاعهم غير محصنة، ولأن أسوارهم ليست مرتفعة، ولأن أبوابهم غير موصدة بطريقة متينة وجيدة ومحكمة.

لا مجال للتراخي على الإطلاق، والمعروف ان الجريمة التي اقترفها أهل بيـزنطة بحق بلادهم، أنهم انشغلوا عن الأخطار المحدقة الزاحفة نحوهم، وعن خيول الفرسان التي كانت تصهل على أبواب القسطنطينية، بالسفسطة وبنقاش لا نهاية له حول جنس الملائكة، وكانت النتيجة ان الجيوش الغازية وصـلت الى أمام أنوفهم، بينما هم مستمرون بجدلهم البيزنطي الفارغ.

في كل يوم تظهر حلقة جديدة من حلقات الإرهاب، وفي كل يوم يجري التأكد من ان مِلَّة الإرهاب واحدة، وان العنف لا هوية له، وأنه كان على كل الدول التي يتهددها هذا الوباء الاسود، والدول المكتوية الآن بناره، ان تدرك، وفي وقت مبكر، ان ما كان قد بدأ في الجزائر قبل نحو عقد من الأعوام، سينتقل إليها بالتأكيد، وان ما وصل الى هذه الدول العربية والإسلامية من سموم قاتلة، سوف يصل حتى الى الدول التي تعتبر نفسها محصنة وبعيدة.

لا بد من التحرك بسرعة لإطفاء النيران العراقية المضطرمة، ولا بد من ان تأخذ الدول العربية المحاددة للعراق كل هذه التطورات بمنتهى الجدية، فالخطر جدي وحقيقي، وبات يقف على الأبواب، ومقاومته تقتضي موقفاً موحداً ووقفة واحدة. فمواجهة هذه الأخطار يجب ان تكون خارج أسوار القسطنطينية، وثمن السكوت على ما يجري في العراق على اعتبار أنه بعيد عن أطراف أصابعنا، سيكون غالياً، والحديث النبوي الشريف يقول: «من مأمنه يُؤتى الحِذر».

إن الخطر مقبل، بل هو أصبح يقف على الابواب، وهذا يقتضي ألا يبقى أهل هذه المنطقة ينخرطون في جدل بيـزنطي عقيم، وألا تبقى بعض الدول المستهدفة تضع أيديها على عيونها، حتى لا ترى الحقائق بكل بشاعتها وكل تحدياتها ومخاطرها، بينما وصلت الموسى الى الذقن، ثم إن الاختباء وراء الاصابع سياسة عقيمة، والمسألة بالنسبة للإرهاب لا تقف عند مجرد شاة جرباء في قطيع سليم، إنها مسألة آفة، إذا لم تجرِ مكافحتها في كل أمكنة تواجدها ومراكز إنطلاقها بقوة، وفي لحظة واحدة، فإن كثيرين سيندمون، ولكن عندما يصبح الندم لا فائدة منه.