مسكين يا قمر!

TT

كلنا نتغنى بالقمر، كذا فعلت أم كلثوم «هلّت ليالي القمر»، لكننا أصبحنا نسيء إليه، أسأنا لكل شيء، والآن حتى القمر لم يسلم من إساءاتنا، اتخذناه مرتعاً للمستبدين والمبيدين. سمعت في هذه الأيام، بأن الفلسطينيين رأوا صدام حسين على القمر، وخلال الحرب رأى آخرون ادولف هتلر على القمر يهب لنصرة تلميذه صدام حسين، قائد خائب ينصر قائداً خائباً آخر. قبل ذلك بسنين رأوا صورة عبد الكريم قاسم على القمر، والمسكين «ماكو زعيم إلا كريم»، سمع بالخبر فخرج من مكتبه إلى الشرفة، ليتفرج على صورته فوق القمر ـ على الأقل هذا ما رواه لي عبد المنعم الخطيب، عندما كان مترجماً له. في الثلاثينات، رأوا صورة بكر صدقي، رئيس أركان الجيش العراقي، على القمر أيضاً بعد اغتياله.

ولا أشك في أن شعوباً متخلفة مثلنا رأوا أيضاً زعماءهم المستبدين والمستهترين على القمر أيضاً، من منهم يا ترى؟.. فرانكو؟ ستالين؟ عيدي أمين؟ تشومبي؟ موسوليني؟.. هذه ظاهرة غريبة، يبدو ان علة السادية غير مقتصرة على الأفراد، وإنما تسري على الشعوب ايضاً، الشعوب تحب من يعذبها، ولا تستطيع أن تتذوق اللذة من دون شخص يضربها «شالوت» على قفاها.

ولكن هذا شأنها، المزعج بالنسبة لي أن أتوقف عن مشاهدة القمر والاستمتاع بنوره وجماله، وأنا أتصوره وقد أصبح ملاذاً لكل هؤلاء المجرمين والمستبدين والفاشلين.

انني أفهم تصور العراقيين لصورة صدام حسين على القمر، ففي عهده لم يكن مسموحاً لأي مواطن أن يعيش في بيته أو يفتح دكانه أو يشغل سيارته من دون أن تكون صورة صدام حسين معلقة في صدر المكان، من دون ذلك يعتقلونه ويشبعونه ضرباً، لمَ لا ينطبق ذلك على القمر؟ كيف يجرؤ القمر على الطلوع من دون صورة صدام معلقة عليه؟ ستعتقله المخابرات فوراً، ويا ويلك يا قمر! وين يوجعك يا قمر؟، والقمر المسكين يئن ويستغيث: وحياة أبوكم كفاية! لخاطر الله، أنا القمر المنير ما لكم! أنا الذي أهديكم في الصحراء، خافوا الله وارحموني!.

هذا هو السر، ادّعوا بأنهم رأوا صورته على القمر رأفة به، خوفاً عليه من أزلام صدام، من السيارات المفخخة ومن الانتحاريين. قمر من دون صدام حسين؟ فليأخذوه، لن احفل به بعد اليوم، وقد اصبح موطناً للعتاة والاشقياء، لن اشبه حبيبي بالقمر!