نقاط مفجعة.. من عار غوانتنامو..!

TT

قال شفيق رسول:

«طوال الوقت الذي قضيناه في غوانتنامو، كنا على درجة عالية من الخوف. عندما وصلنا إلى هناك كانت درجة الخوف تكاد تبلغ عنان السماء. في البداية كان ما يخفينا هو احتمال قتلنا في أية لحظة. وكان الحراس يقولون لنا: يمكن أن نقتلكم في أية لحظة. العالم لا يعرف أنكم هنا. بل لا أحد يعرف أنكم هنا. وكل ما يعرفونه أنكم مفقودون، ولذلك يمكننا أن نقتلكم ولا أحد سيعرف أننا فعلنا ذلك».

قصص الرعب أخذت تترى من هذا المعسكر الفاضح الذي تديره أميركا في غوانتنامو بكوبا. وفي وقت ليس بعيدا فإن القصة الكاملة لهذه التجربة المشينة في سحق الكرامة الإنسانية ستطفو إلى السطح بكل تفاصيلها. أما في الوقت الحالي فلا بد أن نكتفي بتكوين صورة تقريبية من الروايات المتفرقة التي استطاعت أن تخترق حاجز السرية السميك، الذي ضربته الإدارة حول هذه القضية وحول هذه الممارسات.

فنحن نعرف، مثلا، أن الأفراد كانوا يوضعون في بعض الأحيان في زنازين أشبه بأقفاص الحيوانات. وأن بعض المعتقلين، وهم في حالة قصوى من اليأس والتيه، قد قيدوا كالعبيد، وتركوا ليبولوا على أنفسهم ويتغوطوا. كما تعرضوا كثيرا إلى الضرب والركل والدفع وانتهكوا جنسيا. كما أن الفترات الموغلة في الطول التي يقضيها هؤلاء المعتقلون في وحدة مدمرة للأعصاب كانت روتينا يوميا.

وقد حدث كل ذلك بدعوى محاربة الإرهاب. ولكن الأدلة الأكثر صدقية تشير كلها إلى أن هؤلاء الذين اعتقلوا وحبسوا داخل غوانتنامو لا علاقة لهم مطلقا بالإرهاب. وكان كل ذنبهم أن سوء حظهم رماهم في طريق واحدة من الحملات العشوائية الظالمة للعم سام. وهذا هو بالضبط ما حدث لشفيق رسول الذي أطلق سراحه من غوانتنامو قبل عام تقريبا. وحكاية رسول عميقة الدلالة ولم تنتشر بصورة كافية. المستر رسول كان ضمن ثلاثة من أصدقائه الشباب، من مدينة تبتون البريطانية، وكان من ضمن آلاف من البشر اعتقلوا في أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وقال إنهم ذهبوا إلى هناك لتوزيع الغذاء، والإمدادات الطبية للأفغان الفقراء.

وحال إطلاق سراحهم أجرى معهم مايكل راتنر، رئيس مركز الحقوق الدستورية، والذي ظل يبذل جهودا مضنية من أجل ضمان التمثيل القانوني للمتهمين بغوانتنامو تحقيقا مطولا. وقد اعترف الأصدقاء الثلاثة، تحت الضغوط غير المحتملة التي تعرضوا لها هناك بأنهم كانوا في معسكر للتدريب الإرهابي بأفغانستان. وقالوا كذلك انهم كانوا ضمن مجموعة من الناس صوّرت مع أسامة بن لادن. وقد صور هذا الشريط في أغسطس (آب) عام 2000.

وقد ظل رسول، وصديقاه اصف إقبال وروهل أحمد، ولما يقارب السنتين، ينفون أنهم اشتركوا في أي نشاط إرهابي مهما كان شكله، وعندما عرضت عليه إحدى المحققات شريط الفيديو الخاص بابن لادن، قالت له: «الأفضل لك أن تعترف الآن».

وقال المستر رسول: «لم أكن لأتحمل يوما واحدا إضافيا في الحبس الانفرادي، فكيف بسنة كاملة؟».

والنتيجة أنه اعترف. وقد أنقذ هؤلاء الثلاثة، وهم مواطنون بريطانيون، ضباط استخبارات بريطانيون، أثبتوا أن الرجال الثلاثة كانوا بإنجلترا عندما صور هذا الشريط وفي خلال الفترة التي افترض فيها محققوهم أنهم كانوا في معسكرات القاعدة. وقد أعيد ثلاثتهم إلى إنجلترا حيث أطلق سراحهم. حولت إدارة بوش معسكر غوانتنامو إلى مكان خارج نطاق القانون والقضاء. إلى مكان يمكن أن يسجن فيه الناس مدى الحياة من دون تهمة أو محاكمة، ومن دون أن يروا محاميا ومن دون عرض قضاياهم على المحاكم.

إن على الكونغرس والقضاء الأميركي أن يقتلعا هذه الممارسة. ولذلك فإننا مجبرون حاليا أن نتحمل عار غوانتنامو، والذي سيلطخ تاريخ الولايات المتحدة عبر الأزمان، مثله مثل اعتقال اليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية.

* خدمة نيويورك تايمز