وماذا عن«حصة النسوان..؟»

TT

اليوم «يذوب الثلج ويظهر المرج» ويقرّ القانون الانتخابي العتيد أو ينقلب عليه الجميع و«تختلط الأوراق» من جديد كما قال أحد الوزراء. ولكن أياً تكن نتائج الجلسة النيابية اللبنانية المنتظرة اليوم، فإن ما سبقها ينذر بشرٍ مستطير. إذ تكشّفت «النقاشات» و«الحوارات الوطنية؟» عن مستوى بذيء في استخدام «المفردات» و«العبارات اللغوية»، التي يخجل منها أبناء الشارع، فما بالك بممثلي الشعب ووزرائه وزعاماته. لكن المثل يقول «اذا لم تستح فاصنع ما شئت»، ومنذ هلّ القرار 1559 تبنى سياسيو لبنان ما يصعب حصره من سافل الألفاظ ومعيبها، باسم الشعب وفي سبيل كرامة المواطن، وفداء للبنان الذي تتهدده «الأخطار الخارجية». وبين المتهمين بـ«الولاء لسوريا» ومصالحها القصيرة المدى والمقذوفين بتهمة «الخيانة» و«الأمركة»، لا يفهم المواطن الحائر كيف أصبح الجنرال ميشال عون الذي كان يعامل كالوباء طوال عقد من الزمان، في نظر خصومه التاريخيين «رجل مبادئ» و«صاحب ثوابت»، والمعارض الأنقى والأشرف، الذي يجب ان تتدبر الدولة أمر دفن التهم الموجهة إليه لتعيده إلى أحضان الوطن.

«ضاعت الطاسه» حتى ان الصحافيين باتوا يستوضحون السياسيين أنفسهم، عمن أصبح في «المعارضة» ومن اقترب من «الموالاة». وكأن هذين المصطلحين المستوردين يركّبان عنوة على حالات تستوجب مصطلحات محلية بديلة، لا علاقة لها بأنظمة حكم مستتبة لها مداميكها الثابتة وأسسها الراسخة ومعاييرها التي نظّر لها فلاسفة ومفكرّون. فالسياسة اللبنانية ليست وليدة فكرٍ، وانما ابنة عصبية عائلية تارةً وطائفية تارة أخرى، تتزيا بأطقم افرنجية وأقنعة «ديمقراطية»، ثم يخرج ممثل الشعب أو بالأصح الطائفة على الناس متباهياً بحسبه ونسبه والدماء الذكية الزرقاء التي هدرتها أسرته على مذبح «الانتماء الوطني». ولا أحد يجرؤ ويقول للزعيم الصنديد ابن الشرف المديد، ما بمقدور شجرة العائلة أن تفعل مع «البنك الدولي» وبأي لغة سيخاطب حضرته «منظمة التجارة العالمية»؟!

رغم الانحدار الحالي الوخيم، يسجّل لرئيس الوزراء عمر كرامي، إضافته إلى القاموس السياسي اللبناني لفظة «وزيرة» للمرة الأولى، بعد أن أدخل إلى حكومته وزيرتين، وإن كانتا آتيتين بحسابات رجّالية عصبوية. وله مع وزير الداخلية سليمان فرنجية فضيلة اقتراح مشروع قانون يقضي بفرض «كوتا نسائية» تضاف إلى عدد النواب الحاليين. لأن ذكراً سياسياً لا يريد أن يتخلى عن كرسيه لامرأة، ولو من طائفته وعشيرته. محطتان مضيئتان في معركة «أكل الرؤوس» ـ كما اعترف أحد النافذين ـ والتخويف على المكشوف، والاتهامات المتبادلة بالخيانة والفجور. لكن «حصة النسوان» مهددة اليوم بأن تطير في المجلس النيابي هي الأخرى. وليس بمستبعد في هذا المناخ الملبد بالشتائم، والمشحون بالتهديد والوعيد، أن يقصى من لا باع لهم بلغة «الخناشير» وأساليبهم «التهويلية» ولهجاتهم «السوقية». ولن يشفع للنساء انهن يحملن الشهادات العليا مناصفة مع الرجال في لبنان، ولن تسعفهن مهاراتهن الأدبية التي سجلنها في ميدان الرواية أو البحث، وسيكنّ بحاجة لرؤساء القبائل والعشائر في «المجلس النيابي اللبناني» كي يفزن ببعض المقاعد.

«لقد خيبنا الرجال، فلماذا لا نجرّب النساء؟» هكذا أجاب أحد المواطنين يائساً، وقد لا تكون النساء أصلح من الرجال حين تصبح الأجواء موبوءة حد الاختناق، لكنهن على أقل تقدير ألطف في ميدان التعبير، وأقرب إلى المسايرة منهن إلى المشاحنة.

ملاحظ أن ضحالة الثقافة، وبساطة المستوى المعرفي عند رجالات السياسة اللبنانيين، بدأت تشكّل عبئاً ثقيلاً على خطابهم، وانحطاطاً في ألسنتهم. والعاقل يصاب بالذعر حين يسمع وبالفجيعة حين يقرأ، وبالكارثة وهو يستنتج. والمشكلة الآن ليست وفق أي قانون سينتخب اللبنانيون وهل سيعتمد القضاء وحدة انتخابية أم هي المحافظة ـ كما يسوق المنتفعون ـ بل من سينتخب اللبنانيون والمعروض خائب، والبديل غير موجود، ونية ترك الفرص لفئات جديدة نزيهة ومتعلمة معدومة.

«لا نريد أن يكون لبنان على موائد المغانم» قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكن لبنان غنيمة على موائد اللئام، ما دامت مقاييس التعيين والترفيع مجرد حصص واقتسام مصالح ومن دون مداراة أو خجل. ولم نسمع لغاية اللحظة في هذه المعمعة الانتخابية الأبية مشروعاً سياسياً واحداً من أي حزب كان، يخبر الناخبين المساكين عما سيفعل بهم أصحاب الأمر والنهي حين يصبحون في مواقع السلطة. أو ليس من المعيب ان يكون كل الحوار الدائر هو حول الدوائر والمقاعد، ومن ينصب فخّاً لمن، ومن سيوقع بمن ليرث البلاد والعباد..!

ولعل اللبنانيين في هجعتهم وصمتهم الكئيب والمريب الذي يتسترون خلفه يطبّقون نصيحة ذاك العربي الغاضب حين قال: «إذا رأيت الشرّ قد أقبل إليك فتطامن له حتى يتخطاك، ولا تهجه ولا تبحث عنه، فإن أبى إلا ان يبرك عليك، فكن من الأرض ناراً ساطعة تتلظى».