من أجله

TT

جاءت بهية الحريري مرة الى لندن للقاء مع الأمير تشارلز حول تطوير ارث صيدا التاريخي. وسألتني بعد انتهاء الحفل: «لماذا لا تزالون في الخارج؟ ماذا تنتظرون للعودة؟». وشعرت بالخجل. وقالت «ألم يكن في استطاعتي، أنا شقيقة رفيق الحريري، ان اغادر لأعيش في السعودية أو اوروبا؟ لكننا قررنا ان نبقى. لا يجوز ان نتخلى عن أرضنا وأهلنا؟».

يبلغ المال اللبناني في الخارج، حسب اقل التقديرات، اكثر من 40 مليار دولار. كله يرفض ان يعود. كله خشي المغامرة. رفيق الحريري كان أول من عاد بثروته الى لبنان. وحضَّ الآخرين على العودة. وقيل انه اغرق لبنان في الديون. لكن الكاتب الأستاذ عبد الاله بلقزيز يقول ان الحريري بسبب الثقة الدولية فيه شخصيا، استطاع ان يحصل على قروض واصدارات لم تقدر عليها مصر في الفترة نفسها. ويدعو الكاتب المغاربي الى اعادة تقييم عميقة لظاهرة الحريري وشجاعة العودة المالية والتنموية، ناهيك بالسياسية.

انتقد اللبنانيون كثيرا رفيق الحريري. قال البعض انه اهتم بالحجر اكثر من اهتمامه بالبشر. ولم يكن ذلك صحيحا. لقد ساعد من البشر اكثر مما ساعدهم أي لبناني في التاريخ. وانصرف الى الحجر لأن البلد كان ركاما. وكان بلدين: واحد في الشرق وواحد في الغرب. وأعاد إعمار وسط البلد لأنه ملتقى الشقين والبعدين. وقال للبنانيين اكثر من مرة انه اخطأ احيانا. لكن الذي يعمل كثيرا لا بد ان يقع في الخطأ.

لو كان رفيق الحريري حياً لما كان هذا الانقسام القائم حاليا في لبنان. ولما كانت هذه الفظاظة. ولما كانت هذه اللهجة المريعة. لا في الموالاة ولا في المعارضة. ولا خصوصا في هذه الحكومة التي لم تتوقف منذ تشكيلها عن شتم القامات وسب الكرامات والتطاول الصغير على اهل الخلق والدأب، والتحريض السافر المسعور على الأوادم.

لكن الآن لم يعد مهماً من بدأ. المهم كيف نبدأ من جديد، وكيف نرفع لبنان عن شفير الهاوية، وكيف نحول دون تحقيق حلم الذين اغتالوا رفيق الحريري، المناقض والمعادي لحلمه. لا حيا ولا شهيدا أراد للبنان هذا الانقسام. ولا مرة قبل ان ينزل الى هذا المستوى. ويجب ان نتعلم منه ضبط النفس وتعابير الأدب والحذر وتجنب الخصومات. لا يجوز ان تكون تجربة نحو عقدين، من دون اثر فينا.

يجب ان نسأل انفسنا سؤالا واحدا، لبنانيين وعربا، هل استشهد رفيق الحريري من اجل لبنان أم من اجل اعدائه؟ من اجل قتلته أم من اجل حياة شعبه؟ وهل يقبل رفيق الحريري هذا الانشقاق النفسي، كما شقه قاتلوه الى نصفين محترقين ورموه في قلب المدينة التي وحد شطريها وذوق جمالها وزادها حسنا على المتوسط الأزرق الجميل؟

من أجل رفيق الحريري. اهدأوا.