جدار برلين بيروتي .. وعشاء مع جنبلاط

TT

«كفى»..... هذا واحد من الشعارات البسيطة التي كتبت على جدران الأبنية المحيطة بموقع المقبرة التي دفن فيها رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. هذا الشعار المكون من كلمة واحدة يلخص حركة التغيير السياسي التي ظهرت في لبنان وباتت تنمو ببطء في أماكن اخرى في العالم العربي.

«نريد معرفة الحقيقة».... شعار آخر كتب على لافتة علقت على نصب الشهداء بالقرب من المسجد الذي دفن فيه رفيق الحريري. إنها فكرة ثورة لدى اولئك الذين تعين عليهم العيش تحت ظل أكاذيب تنسجها انظمة حكم تتشبث بالسلطة بكل قوة ووحشية.

أقام الطلاب اللبنانيون بمنطقة صرح الشهداء خيمة وتعهدوا بالبقاء فيها الى ان تنسحب القوات السورية (15000 جندي وضابط) من الاراضي اللبنانية. انهم يتحدثون كما شخصيات رواية «البؤساء» لفكتور هوغو، إلا ان تحديهم الثوري يبدو انه من النوع الذي يمكن ان يغير التاريخ. قائد هذه الانتفاضة اللبنانية هو وليد جنبلاط، الذي كان حتى وقت قريب متصالحا مع الاحتلال السوري، إلا أن موقفه تغير تماما العام الماضي عندما تجاوز السوريون الدستور اللبناني وفرضوا إعادة واجهة النظام السوري في لبنان الرئيس إميل لحود. تلاشت شعارات القومية العربية القديمة لدى جنبلاط وبات يتحدى والحريري دمشق بصورة علنية.

تناولت الغداء مع جنبلاط الاثنين الماضي في المختارة جنوب شرقي بيروت، حيث انتقل نهاية الاسبوع الماضي خشية من ان يصبح الهدف المقبل للجهة التي اغتالت الحريري. كان وليد جنبلاط جالسا اسفل صورة لوالده الراحل الذي اغتيل عام 1976 إثر معارضته دخول القوات السورية للبنان. كان معي الصحافي اللبناني جميل مروة، الذي اغتال والده متطرفون قوميون عرب في الستينات. كانت أمسية اختلطت فيها اشباح الماضي بآمال المستقبل.

كان جنبلاط يرتدي سروال جينز وملابس عادية بصورة عامة، لكنه كان محتفظا بسلوك وأخلاق الارستقراطي اللبناني. سمعت جنبلاط وهو ينتقد بشدة، على مدى سنوات، الولايات المتحدة واسرائيل، لكنه اصبح هذه الايام عقب اغتيال الحريري اشبه بالمحافظين الجدد. يقول جنبلاط انه مصمم على تحدي سورية حتى خروج قواتها من لبنان وتشكيل حكومة تحل محل حكومة لحود الحالية.

يقول جنبلاط: «لعله من الغريب ان اقول ذلك، ولكن عملية التغيير هذه بدأت بسبب الغزو الاميركي للعراق. كنت متشككا تجاه الوضع في العراق، ولكن بعد ان رأيت ثمانية ملايين من أفراد الشعب العراقي يدلون بأصواتهم قبل ثلاثة اسابيع، اعتقد ان هناك عالما عربيا جديدا». ويعتقد جنبلاط ان شرارة التمرد الديمقراطي قد انتشرت، مؤكدا ان الشعب السوري والشعب المصري يقولان إن شيئا بدأ يتغير بالفعل وان جدار برلين قد انهار وإننا نراه ينهار فعلا، على حد قوله.

ترى، إلى اين تسير هذه الانتفاضة اللبنانية في خطوتها المقبلة ؟ جزء من الإجابة لدى «حزب الله»، الذي يعتبر اقوى تنظيم سياسي في البلاد. مسؤولو «حزب الله» وقادة المعارضة اللبنانية تبادلوا إشارات هذا الاسبوع حول امكانيات تشكيل جبهة موحدة. الشيء الواضح هو ان اللبنانيين سئموا الوضع الراهن وأن «حزب الله» ـ شأنه شأن كل الاحزاب الاخرى ـ يجب ان يكيف نفسه مع التغيير.

ما زالت جموع المعزين تتقاطر حول قبر الحريري عندما زرته بعد ظهر الثلاثاء. كثيرون ما زالوا يجهشون بالبكاء بعد مرور ما يزيد على اسبوع من مقتله. ويمكن للشخص ان يرى بوضوح ان كل وجه يقول: «كفى».

* خدمة «واشنطن بوست»