فرصة المرأة لكسب الرهان

TT

تحدث وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، عن الحقوق السياسية للمرأة السعودية، في كلمة ألقاها بجامعة أكسفورد، ضمن جدول الملتقى السعودي البريطاني الأخير حول التحديات المستقبلية التي بواجهها البلدان، داعياً الغرب إلى تفهم وضع البلاد العربية، وبالأخص السعودية في تدرج تبني مبدأ الإصلاحات.

ما يهمني ـ كمواطنة سعودية ـ في خطاب صريح ومباشر كهذا، أنه يأتي كمرآة تحدد المسارات التي رسمها الوطن لطور المرأة التنموي. فنحن كنساء سعوديات لا ندري حقيقة أين موقعنا من الخطط المعدة لتطور البلاد، ومدى ارتباطنا بالتعديلات التي تطرأ نتيجة للتطورات العالمية التي تفرض نفسها بالتبعية على أوضاعنا الداخلية. ليس شرطاً إذا كان مجتمعنا يمر بمرحلة انتقال حضاري، أن يصاحبها تقدم متزامن يطبع بصماته على الوضع النسائي، بل من السهولة أن يكون التوجه العام على حساب وحدات أخرى مجتمعية تظل راكدة لا يحركها حجر، وهو ما ينتج عنه تناقض ظاهر في الأفكار والمواقف، ينعكس بمشكلاته وتعقيداته على فئات المجتمع ككل، ولو بدرجات متفاوتة. ولئن كان الصعود بالوطن يعني سواعد جميع من ينتسب إليه، نساء ورجالاً، فإن غياب أحد الكفتين في عملية البناء، معناه «اختلال الميزان» مهما حاول البعض مواربتها في شروحاتهم. وعليه، حين يطالعنا المسؤول السعودي بمفردات تحمل معها بعض الانفراج عما هو مسكوت عنه بالنسبة لدور المواطنة، فإن في فرصة للاستبشار بتعديل الكفة المائلة، ولو بنسبة بسيطة، فالمسافات ستبقى، ومن السذاجة التصور بغير ذلك. إنها إشكالية المرأة مع الرجل، والمتلونة بحسب الثقافة السائدة للمكان منذ الأزل.

ونحن كمجتمعات عربية إسلامية لم نتغن بشيء قدر تغريدنا بأن المرأة لها حقوقها التي كفلها لها دينها، وما أن نتحول بأنظارنا إلى واقعنا المعاش حتى ندرك الخلل، فأين هو موقف الإسلام المتسامح مع المرأة مما يجرى؟!

يقول الفيلسوف الفرنسي أرنست رينان: «إن المرأة العربية في عهد محمد، صلى الله عليه وسلم، لا تشبه إطلاقاً هذا الكائن الغبي، الذي يملأ حجرات الحريم لدى العثمانيين». وبالرغم من قساوة توصيف المرأة بعدم الذكاء، وأخذاً في الاعتبار اختلاف الزمان، إلاّ أنني كامرأة تعيش في هذا العصر أجدني عاجزة في معظم الأحيان عن فهم طبيعة شريحة واسعة من النساء يملكن من الإمكانات ما يؤهلهن للارتقاء الفكري والمادي بمجتمعاتهن، فيختصرن رسالتهن إلى قضايا تافهة، يلاحقنها بإصرار عجيب، إلى أن يختمن معها الحياة.

لا أتصور لو أن المرأة كانت جادة في تحصيل ما لها من حقوق، أن تظل مغبونة أبد الدهر، فالرجل كما لا يملك أن يكره المرأة، لا يمكنه تجاهل مطالباتها على الدوام لو ذيلت بإلحاحها، وإنما هي عدم فطنة النساء في تطويع الظروف والأوقات المواتية لصالحهن، فهل يجب أن تكون طاعة المرأة للرجل تنازلاً عن قابليتها للتفكير والاستقلال الذاتي؟ أبداً، على الإطلاق، إنما نتيجة لاستهاناتها المتكررة برغباتها، وبأبسط حقوقها الإنسانية، حصل ان تحولت الفروق البيولوجية بينها وبين الرجل إلى مبرر لما يُفرَض عليها من استلاب مثلث: جنسي واقتصادي وفكري.

فمن اختزال كيانها إلى حدود الجسد وتضخيمه في تجاهل لبقية الأبعاد الأخرى في حياتها، إلى تعرضها المستمر لاستغلال جهدها العملي من دون مقابل، أو دفعها إلى مواقع ثانوية بعيدة عن الخلق والإبداع غرست لديها شعورا بعدم الثقة وجعلتها هامشية في منظومة الإنتاج وتقسيمات العمل والأجور، إلى استلاب فكري أقنعها بتفوق الرجل عليها، فدفعها إلى الالتصاق بـ«وضعيتها وضعفها»، اللذين على ما يبدو أنها استمرأت استعمالهما كسلاح للمكر والإغواء في تعاملاتها مع محيطها الخارجي، وكأنها كائن جاهل وقاصر، لا يستطيع المجابهة بشيء من الجدية والمسؤولية، في عقدة درامية كان الرجل فيها، ومن اعتقد أنه المتحكم في كل شيء، قد نسي وتناسى أن «خبز يديه» هو المدرسة الأولى لأبنائه، والحاضنة لرجال وطنه، فهل نتوقع ممن سُلبت حقوقها القيام بواجباتها كما يكون العطاء! ثم كيف نرضى على أنفسنا معاشرة الهشاشة، فنفخر إذا انتصرنا عليها!

ليس هناك أخطر من معاملة المرأة بحدود دنيا، تخلق منها كائن أناني لا يهتم إلاّ بتفاصيله الصغيرة، فتتوه عن نفسها وأمومتها ومهمتها كإنسان خُلق ليعمّر، فتضيع معها جميع مؤسسات الوطن.

ولست أبالغ في ما أقول، فالمرأة القوية هي شجرة البلاد الأولى، التي منها تتشعب باقي الفروع وتمتد، والأولى أن تبقى أشجارنا عميقة بجذورها، فتموت واقفة بدل أن تتكسر مع الرياح، بكل ما تحمل. ونحن إذ بدأنا مشروع الإصلاح التدريجي السعودي، نرى أن صورة المرأة حاضرة في أجندته، بالرغم من اعتراض الكثير على المزاحمة.

إنما مصلحة الوطن أكبر من مراعاة الخواطر هذه المرة، فلا بد لنا، كمواطنين سعوديين، وفّقوا في معاصرة المرحلة منذ بداياتها أن يعوا اللحظات التاريخية حين تأتي، وما تتطلبه من ربط مسيرة التنمية بقضية المرأة ومساهمتها في الشؤون العامة، بالملازمة دائماً مع واجباتها الخاصة، التي تدخل في صميم حرفية إن أخلت المرأة بأصولها خسرت معها الداخل قبل الخارج، وأضاعت على بنات جنسها فرص استثمار ما حصلن عليه من تفهم حتى الآن. فمن الحوار الوطني، إلى الانتخابات البلدية، إلى السلك الدبلوماسي، إلى مزيد من الحقوق، كلما أثبتت التجربة أننا أهّل لها. فيا صويحباتي... لنكسب الرهان.