قل لي يا يوسف شاهين!

TT

طلب مني المخرج الكبير يوسف شاهين أن أقوم بدور الأستاذ العقاد في فيلم من إخراجه، وقد أدهشني ذلك، فليس كل من كتب عن شخصية مهما كان الذي كتبه، هو اقدر الناس على تشخيصها. أنا كتبت ومن الممكن ان أساعد الممثل والمخرج، ولكن أن أقوم بتجسيد المفكر الكبير، فهذا شيء آخر غير الكتابة. صحيح أن هناك مؤلفين كبارا قد ظهروا أبطالا في مسرحياتهم مثل شيكسبير وموليير ولكن هذه مقدرة فذة!

وكنت قد حكيت ليوسف شاهين اني ظهرت في إحدى المسرحيات المدرسية، المسرحية اسمها (معن بن زائدة)، وموضوعها أن واحدا قرر أن يغضب معن بن زائدة مقابل مكافأة سخية، وحاول وفشل، فقد بدأ المحاولة اليائسة بقوله:

أتذكر إذ لحافك جلد شاة

وإذ نعلاك من جلد البعير

فقال له معن: اذكر ذلك ولا أنساه

وعاد الرجل يبالغ في إغضابه:

فسبحان الذي أعطاك ملكا

وعلمك الجلوس على السرير

الى آخر المسرحية المدرسية. أما أنا فقد وقفت على الباب، أو ما يمكن أن يسمي بالباب، وكل أولياء أمور التلامذة موجودون، ولا بد انهم يرون في مستقبل أولادهم أن يكونوا مثل يوسف وهبي والريحاني وجورج ابيض. أما دوري فكان بعد إشارة المدرس الذي كان يجلس بين الضيوف وقد طلب منا إلا نرفع أعيننا عنه لكي نتلقى التعليمات. واشار ناحيتي فقلت بصوت صارخ: اخسأ ثكلتك أمك!

انتهى الكلام الذي قلته ولم يدلني أحد على معناه، وقد خفت أن أسال حتى والدي، سألت يوسف شاهين إن كان هذا الأداء المبكر سببا كافيا لأن أكون العقاد علي الشاشة!

مرة أخرى عندما ألفت مسرحية كوميدية بوليسية اسمها (الأحياء المجاورة) بطولة اثنين فقط هما: حمدي غيث وسناء جميل. المسرحية في ثلاثة فصول ولا يظهر على المسرح أحد، انما نحن في انتظار من يجيء ولكنه لا يجيء.. ونجحت وأثارت. وعند نهاية العرض لأول ليلة، جذبني حمدي غيث ليقدمني للجمهور فرفضت وتشبثت بالستار ولم يظهر مني إلا جانب من وجهي!

فهل هذا كاف لان اكون بطلا مسرحيا!

وكانت في ذهني عبارة قالها عميد المسرح الفرنسي جيرودو، الذي ترجمت له مسرحية (من اجل سواد عينيها).. قال جيرودو: ان المؤلف إذا اطل بأنفه من وراء الكواليس فمن حق المخرج أن يكسر انفه ـ لأن النص المسرحي لم يعد ملكا للمؤلف وانما للمخرج!

آخر مرة.. كنت اجلس مع الرئيس السادات عندما جاء مذيع أميركي يعرض على السادات موضوعا غريبا، قال له: يا سيادة الرئيس ما رأيك لو أجريت معك حوارا تقوم أنت فيه بدور السادات وأنا أقوم بدور مناحم بيجين.. واشار ناحيتي وقال وتقوم أنت بدور ياسر عرفات!

قال السادات: والله فكرة، فلنبدأ..

طبعا السادات يعرف ماذا يقول وماذا يرد به على مناحم بيجين. والمذيع كان اسمه جورداتي.. فأشار لي أن أتكلم ـ وتكلمت ومرة اؤيد رأي السادات ومرة أوافق على رأي بيجين ولكن المذيع كان ينبهني إلى أنني ياسر عرفات ولست أنيس منصور. ومن الضروري أن أعارض وان ارفض وان أحاول.

ثم طلب مني أن أقوم أنا بدور السادات ويقوم هو بدور بيجين.. فهل هذا يكفي لان أقوم بدور المفكر الكبير والشاعر العظيم والناقد الجليل والعاشق الفاشل عباس العقاد..

والجواب: لا وليس هذا رأي يوسف شاهين ولكنه رأيي!