الجزائرية على خطى التونسية: مليون توقيع ضد تعدد الزوجات

TT

يعيش الجزائريون هذه الآونة، نوعا من الحراك الاجتماعي ستظهر المناقشات قوته ومدى قدرته على إنتاج قوانين ذات طابع ثوري، تشكل منعرجا حقيقيا في حياة المجتمع الجزائري. ويتمثل القانون الحدث، الذي ربما قد يرى النور ـ لو انتصر الفريق العلماني على الفريق الآخر ـ في قانون الأسرة الجزائري الجديد الذي سيناقشه البرلمان في الفترة المقبلة. وبحكم أهميّة مشروع القانون الجديد، فقد تفجّر جدل هائل سبق موعد المناقشة البرلمانية. ولا شك في أن الجدل الجاري الحامي الوطيس، سيساهم بشكل غير مباشر في بلورة شكل وطبيعة الجدل، الذي سيسيطر على البرلمان.

وتتأتى أهميّة قانون الأسرة الجزائري الجديد من مضمونه النوعي والمصيري في الوقت نفسه. فهو يدعو إلى منع تعدّد الزوجات، حتى لو وافقت الزوجة. كما يمنح مشروع القانون الجديد الحق للمرأة في تزويج نفسها من دون موافقة ولي أمرها، وهو ما تراجعت عنه الحكومة أمام ضغط الاسلاميين.

وكما هو ملاحظ يتضمن قانون الأحوال الشخصية المقترح إشكالا دينيا لم يحسم أمره بعد، في عموم الذهنيّة الجزائريّة. لذلك، رأى فيه البعض تجاوزا للشريعة الإسلامية وخروجا على أحكامها، كما أعلنت ذلك التيارات الإسلامية في الجزائر، إضافة إلى الاستياء الديني الذي عبّرت عنه بعض وسائل الإعلام والمساجد. وفي مقابل الحرب الباردة التي أعلنها الإسلاميون، نجد أن جبهة علمانية منظمة تتحرّك بأساليب مدنية ناجعة. من ذلك، الحصول على مليون توقيع من النساء الجزائريات، يساندن مشروع القانون الجديد، وهو ما يعكس براعة في تشكيل تكتلات بين الجمعيات النسائية والنخب النسائية الواعية. ومن جهتهم، حاول الاسلاميون جمع توقيعات مضادة.

طبعا، لا يمكن إثارة هذه المسألة من دون تذكر التجربة التونسية الرائدة في مجال الأحوال الشخصية، والتي سبقت التجربة الجزائرية، التي لا تزال حاليا في مرحلة مخاض مجهول النهاية، بنصف قرن، رغم أن تونس والجزائر تجمع بينهما علاقة حدود والجهة الشمالية للقارة الإفريقية، إضافة إلى التاريخ المشترك والقواسم الكثيرة المشتركة. بل إنه حتى امتزاج الدماء التونسيّة الجزائريّة في أحداث ساقية سيدي يوسف، لم تستطع إفراز مجلة أحوال شخصية هي نفسها فيما يخص القوانين الأساسية.

ولكن هل خوض المجتمع الجزائري هذه المغامرة بعد نصف قرن من تاريخ إعلان تونس لقانون 13 اغسطس 1956، يعني أن المغامرة الجزائرية ستكون سهلة، وأكثر يسرا بحكم تقدم المجتمعات ودخولها زمن الحداثة؟

في الحقيقة من غير الممكن الظفر بإجابة واحدة حاسمة، إلا بعد الحصول على موافقة البرلمان الذي يضم تيارات مختلفة، أو في حال رفض القانون الجديد أيضا. لذلك فإن ما يمكن الخوض فيه يتعلق بمظاهر استفادة قانون الأسرة الجزائري الجديد من مجلة الأحوال الشخصية التونسية، وأيضا بالملابسات المختلفة بين التجربتين.

ويمكن تلخيص مظاهر الاستفادة والاقتباس في النقاط التالية:

* ألحت مجلة الأحوال الشخصية التونسية على إظهار قانون 1956 بأنّه يخصّ الأسرة التونسية، ويعالج وضع المرأة ووضع الرجل. ونلاحظ أنّ المشروع الجزائري ورد تحت اسم «قانون الأسرة الجزائري الجديد».

* تضمنت مجلة الأحوال الشخصيّة التونسيّة تحجير تعدد الزوجات وتحديد السن القانونيّة للزواج مع التنصيص على ضرورة رضا الزوجين. ويشير الفصل الثامن من المجلة صراحة على أن: كل من تزوج وهو في حالة زوجية وقبل فك عصمة الزواج السابق، يعاقب بالسجن لمدة عام وبغرامة قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك أو بإحدى العقوبتين. وفي السياق نفسه، تضمّن المشروع الجزائري دعوة لمنع تعدّد الزوجات.

* النقطة الثالثة تتمثل في الاستعمال المشترك لعبارتي «منع التعدد» بدل «تحريم تعدد الزوجات»، وهي حيلة لغوية يتمّ من خلالها تجاوز المفهوم الشرعي واستبداله بمفاهيم قانونية لا تخوض صراعا مباشرا مع الدين.

وفي مقابل هذه النقاط المشتركة والمنسوخة عن التجربة التونسية، فإننا نجد اختلافات تشكل الملامح الخاصة لكل تجربة:

* مجلّة الأحوال الشخصيّة التونسيّة تحمل أثر الرئيس (الراحل) الحبيب بورقيبة، وروح المصلح الاجتماعي التونسي (الراحل) الطاهر الحداد، بمعنى أن الذي خاض ثورة تحرير المرأة التونسية، هو بالأساس رجل أقام جوهر مشروعه المجتمعي على تطوير وضع المرأة. وقد تواصل الأمر مع نظام الرئيس زين العابدين بن علي، إذ تعززت أكثر المدونة القانونية للمرأة التونسية.

وفي مقابل الارادة الذكورية، ووقوفها وراء «الجنة القانونية» للمرأة التونسية، نجد أنّ مشروع قانون الأسرة الجزائري الجديد، تقف وراءه روح وإرادة وقوة أنثوية هائلة. ونظن أنّ الظفر بمليون توقيع من النساء، إضافة إلى اعتبار وزيرة الثقافة والفنون، خليدة تومي، أول من طالب بتجاوز قانون الأسرة القديم والتحرك القوي للجمعيات النسائية في الجزائر. كل هذه العلامات العالية الرمزية تدل على وجود حراك اجتماعي يقاد بفعل نسائي، وهي نقطة تحسب لفائدة المرأة الجزائرية بصرف النظر عن مصير القانون الجديد.

* النقطة الأخرى والقادرة على تحديد آفاق المغامرة الجزائرية، تكمن في أنّ ظاهرة تعدد الزوجات موجودة في الريف الجزائري بالخصوص، في حين أن تونس إبان صدور مجلة الأحوال الشخصية لم تكن تعرف سوى حالات قليلة من تعدد الزوجات، الشيء الذي مهّد الطريق لتقبل القانون الثوري آنذاك.

ولعل بين أهم الأسئلة الجديرة بالطرح، إلى أي حد سيتمكن التيار العلماني من إبراز عدم مخالفة مشروع قانون الأسرة الجزائري الجديد للدين، وما إذا كان هذا القانون سيعثر على تزكية من شخصيات دينية جزائرية معروفة تمتلك ما يسمّى في علم الاجتماع بالجاذبية الشعبيّة المؤسّسة. ذلك أنّ بورقيبة، صاحب التوجهات العلمانية والذي كان يتمتّع بكاريزما عالية وبصلاحيات واسعة، لم يدر ظهره للتزكية الدينية، وجعل الشيخ محمّد الفاضل بن عاشور يقرأ على الملأ قوانين مجلّة الأحوال الشخصيّة في يوم إعلانها بحضور مشائخ الزيتونة الفاعلين.

أما من يتأمّل تاريخ المرأة الجزائريّة وواقعها وما حققته، فإنّه سينتهي إلى أنّها قد تأخّرت جدا في إعلان رغبتها في قطف ثمرة نضالها ضد المستعمر، وثمرة تصديها لظاهرة الإرهاب. كما أنّ الناظر في الأرقام سيجد أنّ نسبة النساء القاضيات في الجزائر حوالي 62,75 في المائة من مجموع القضاة و23,6 في المائة من المحامين. ولا ننسى النشاط السياسي البارز للمرأة الجزائرية داخل الأحزاب وترؤسها لأكثر من حزب. لذلك فإنّه يحق لحفيدات جميلة بوحيرد، المرأة الرمز، ان يتمتعن بقانون للأسرة جديد.

* كاتبة تونسية

[email protected]