الملف اللبناني.. سيناريو الأيام المقبلة

TT

عشنا اسبوعاً حافلاً بالأحداث والتقلبات. فبعد الهجوم الكثيف لبعض الفضائيات العربية على سوريا وأصدقائها اللبنانيين، وهو هجوم فاجأ الجميع بعنفه وتركيزه، إذا بنا نفاجأ بنجاح الهجوم المعاكس الذي رد الصاع صاعين على الهجوم الأول، وأقصد بالهجوم المعاكس هنا بالطبع الخطاب الهام الذي ألقاه الرئيس بشار بالأسد في مجلس الشعب، ثم المظاهرة العارمة التي نظمها أسد لبنان، حسن نصر الله، في قلب بيروت والتي فاقت كل التوقعات من حيث الحجم والضخامة. على هذا النحو راح الشرق الأوسط يتأرجح بين قطبين متضادين حتى ليكاد يهتز على محوره ويفقد توازنه.

فما هي نتيجة كل ذلك؟ أو ما هي ترجمته على أرض الواقع؟ نتيجته هي ان المهللين للمشروع الأميركي ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي تسرعوا قليلاً في هجومهم ولم يحسبوا الحساب لحقائق الأمور على أرض الواقع ولا لعوامل التاريخ والجغرافيا وذكريات الماضي المشترك. فمهما تكن الأخطاء السورية كبيرة في لبنان إلا انها لا تبرر الشماتة بكل ما هو سوري أو عربي وإلقاء النفس بكل طيبة خاطر في أحضان الأجنبي الذي لا يزال عدواً حتى الآن.

بل وسيظل عدواً حتى توقيع اتفاقية سلام معه وحل المشاكل العالقة. ينبغي الاعتراف هنا بأن الوزير جنبلاط تراجع قليلاً عن موقفه المتطرف والمنفعل بعد أن أدرك انه تجاوز الحدود في اندفاعه وان الآخرين يريدون ان يذهبوا به الى حيث لا يريد ربما. فلبنان سوف يظل ملتصقاً بسوريا من الناحية الجغرافية ولا يمكنه ان ينتقل الى شواطىء كاليفورنيا أو جنوب فرنسا.

مهما يكن من أمر فإن الجميع في مأزق، سلطةً كانوا أم معارضة، داخل لبنان أم خارجه. وسوف يظل الأمر هكذا حتى تحل هذه القصة التي دمرت المنطقة على مدار خمسين سنة من تاريخها. ولكن يبدو ان نهايتها اصبحت على الأبواب. فالملك عبد الله الثاني يريد تعديل المبادرة العربية التي بلورها الأمير عبد الله بن عبد العزيز وصدَّقت عليها قمة بيروت. انه يريد تعديلها من أجل تسريع عملية السلام في المنطقة. ولا نعرف فيما اذا كان سينجح في مسعاه أم لا.

ولا نعرف فيما اذا كانت قمة الجزائر ستصدق على خطته أم سترفضها. ولكن كل ما نعرفه هو ان الانتقال من حالة الى حالة عملية خطرة وغير مضمونة العواقب. فنحن بنينا وجودنا كله وعلى مدار نصف قرن على فكرة واحدة: رفض وجود اسرائيل في المنطقة. والآن يطالبنا المجتمع الدولي وكذلك الغرب الأوروبي ـ الأميركي بأن نغير موقفنا جذرياً من هذه المسألة. وقد ابتدأ بعضنا يفعل ذلك كمصر، الأردن، والسلطة الوطنية الفلسطينية. ولم يبق من دول الجوار إلا سوريا ولبنان. ولذلك فما ان جاء دورهما أو اقترب حتى أخذت درجة الحرارة ترتفع والحمى تنتشر في كل انحاء المنطقة.

وبالتالي فنحن مقبلون على استحقاق خطير شئنا أم أبينا ولا يمكن ان تنجح التنمية والاصلاحات الداخلية إلا بعد حسم هذه المسألة الشائكة.

وبالتالي فلا يزاودن أحد على أحد، فالقصة أكبر من الجميع، وكلنا في مأزق.

وينبغي على العرب ان يساعدوا لبنان وسوريا على ايجاد الحل المناسب، أي أقل الحلول سوءاً، في قمة الجزائر المقبلة. لقد أحسن «حزب الله» صنعا عندما رفع صليب المسيح في يد والقرآن في اليد الاخرى في مقدمة مظاهرته الكبرى. واثبت بذلك انه ليس حزبا اصوليا تكفيريا على الطريقة المرعبة التي عرفناها. وهذه بشارة خير وعلامة أمل على المستقبل. فلبنان بدون المسيحيين العرب او العرب المسيحيين ليس لبنان.

ويقول المسؤولون الفرنسيون ان ذلك يزعجهم ولا يستطيعون الموافقة عليه لان رياح الحرية لا يمكن ان تهب على العالم إلا بواسطة احفاد الثورة الفرنسية ونابليون بونابرت! ولهذا السبب فهم يقللون من اهمية انجازات بوش ولا يقبلون بأن يكون هو وحده حامل مشعل الحرية الى العالم. فقد سرق منهم هذا الدور التاريخي، هم الذين كتبوا اعلان حقوق الانسان والمواطن عام 1789 بأحرف من نور.

ولذلك يقول لك المسؤولون الفرنسيون بأن حركة الحرية والديمقراطية ابتدأت في العالم العربي قبل بوش وحرب العراق، لقد ابتدأت في قطر والكويت والمغرب الاقصى في عهد محمد السادس أو حتى في نهاية عهد الحسن الثاني، واما بيل كلينتون فيضيف الى كل ذلك دبي التي يعبر عن اعجابه بها على طول الخط. وبالتالي فالعرب لم ينتظروا الاميركان لكي يسيروا على درب الحرية وقد اثر عليهم الاتحاد الاوروبي ومؤتمر برشلونة المتوسطي اكثر مما اثرت اميركا لسبب بسيط هو ان العالم العربي على ابواب اوروبا من الناحية الجغرافية او العكس.. اما اميركا فبعيدة جدا وليست لها علاقات تاريخية مع العرب..

يضاف الى ذلك ان الطريقة الاميركية في ادخال الديمقراطية الى العالم العربي همجية او حربية اكثر من اللزوم. هذا في حين ان الطريقة الاوروبية حضارية، سلمية، ناعمة وشتان ما بين الطريقتين! ولكن الفرنسيين لا يستطيعون انكار الحقيقة التالية: وهي انه اذا كانت الطريقة الناعمة تنفع مع بشار الأسد، فان الطريقة الخشنة هي وحدها التي كانت قادرة على اقناع صدام حسين.

مهما يكن من امر فان الاستراتيجيين الاميركان يختلفون فيما بينهم على طريقة معالجة المشكلة اللبنانية ـ السورية. فالمحافظون الجدد والصقور من امثال ويليام كريستول وكوندوليزا رايس اصبحوا يتحدثون عن «الربيع العربي» ويقارنون بين انهيار الكتلة الشيوعية عام 1989، وانهيار الاستبداد في العالم العربي حاليا والمقارنة وجيهة الى حد ما ولكن لا يوجد تطابق بين الحالتين.

اما الواقعيون من امثال «فلينت لوفريت» فيحذرون بوش من زيادة الضغط الهجومي على سوريا ويقولون بأن من الخطأ اقامة حكم مؤيد للغرب وبالتالي لاسرائيل، اكثر من اللزوم في بيروت، ويخشى هذا المحلل الاستراتيجي المختص بشؤون الشرق الاوسط من ان يكون بوش يجهل الحقيقة التالية: وهي ان «حزب الله» سوف يلعب بدون شك دورا كبيرا في النظام الجديد للبنان المقبل. فبما انه يكره هذا الحزب لانه يخلط بينه وبين بن لادن عن خطأ ولانه هزم اسرائيل فانه يريد ان يحذفه من الساحة وهذا مستحيل.

وبالتالي فمسألة سوريا ولبنان لم تحسم بعد في اوساط مراكز القرار في واشنطن ولا تزال تلهب المناقشات الخلافية الاكثر حماسة وينبغي ان ننتظر قليلا لكي نعرف ما هو السيناريو الذي سيتغلب على ما عداه.