طبع.. زرع.. حصد

TT

هناك تضارب كبير في الروايات المعروفة عن تاريخ دخول أول آلة طباعة إلى العالم العربي، فهناك من يقول إنها كانت بمصر، وآخرون يرون أنها كانت في دمشق، ورواية ثالثة تشير إلى أنها كانت في بيروت، ولكن الرواية الأقوى تقول وترجح أن أول آلة طباعة كانت في مدينة حلب السورية.

والطباعة كانت «إنترنت» عصرها، فهي التي سمحت «بشعبية» وانتشار الكتاب بعد أن كان يخط وينسخ بأعداد محدودة وبصورة يدوية مرهقة ومليئة بالأخطاء. والطباعة أتت من ألمانيا لتتطور مع صناعة الورق، وهي التي أتت من كل من الصين ومصر وإن كانت بصورة مختلفة، وانطلقت صناعة الطباعة إلى كل دول العالم بلا استثناء، وأصبحت واقعا هائلا لا يمكن الاستغناء عنه، وباتت تدخل في جوانب مختلفة من الحياة، كالصحف والمجلات والكتب والنقود والتغليف بكافة أنواعه وغير ذلك.

وبهدوء وبلا ضجيج أعلن في دبي قيام فكرة جبارة جديدة، وهي عبارة عن أضخم مجمع طباعة في العالم على مساحة 10 ملايين قدم مربع وبتكلفة تبلغ ثمانية بلايين ريال سعودي، ويقام هذا المجمع داخل مدينة الإعلام بدبي ومن خلال منطقة الإنتاج الإعلامي الدولي.

وحجزت مجموعة من الصحف السعودية والهندية والفلبينية والباكستانية والإيرانية ومن دول الخليج الأخرى لتصدر أعدادها مطبوعة من المجمع الجديد، وكذلك ينوي المجمع خدمة سوق العراق الهائل وتحديدا في مجال التغليف الصناعي والصحي والتجاري، وليس للعراق فقط بل حتى باقي الدول العربية والتي تعتمد على سنغافورة بشكل أساسي.

وروعي في المجمع الشروط والمعايير الخاصة بالمهنة والبيئة، فرصة أخرى فاتت علينا! السعودية أكبر سوق طباعي في منطقة الشرق الأوسط ولكن نسبة الإنتاج فيه قليلة جدا ولا تزال حصص مذهلة تذهب للبنان ومصر والأردن والإمارات وسورية، والسبب الرئيسي هو عقدة التراخيص، فالفسح على المنتج شيء والسماح بطباعته محليا يعتبر ضربا من الخيال (وطبعا شرح سبب السماح في توزيع المنتج وعدم طباعته هو جدل بيزنطي لا داعي للخوض فيه!).

هناك العديد من المطبوعات ذات رأس مال سعودي 100% من مجلات وكتب ونشرات، من الأولى أن تطبع في الداخل وينتفع بها الاقتصاد الوطني وأصحاب المطابع المحلية.

كنت أتحدث مع مدير في مطار دبي عن هذا المشروع وغيره، وطلبت منه أن يأذن لضابط الجمارك بأن يعطي حبة بروزاك (مضاد للاكتئاب) لكل مغادر دبي حتى لا «يتعقد»، مما يشاهد من تطور، إضافة إلى وضع لوحة على المطار «دبي ترحب بكم وعلى السادة المقيمين خارجها مراعاة فارق التوقيت».. في كل شيء! فرص بسيطة نضيعها بأيدينا نتيجة رعونة وبطء وتعقيد لا داعي له أبدا.

[email protected]