كلام اللواء السيد

TT

ردّ اللواء جميل السيد، مدير «الأمن العام» اللبناني ورجل النظام القوي، على الحملة المطالبة باستقالته. ومما قاله: «لا يحق لقاتل حتى لو اصبح وزيراً او نائباً ان يتهم رجل أمن قبل ادانته، ولا لزعيم عصابة ولو اصبح وزيراً او نائباً ان يهين رجل أمن قبل ادانته». وهذا اخطر كلام سمعته في لبنان على لسان مسؤول يعتبر مشاركاً في القرار السياسي إن لم يكن هو صانعه في غالب الاوقات، او هذا هو الانطباع السائد في البلد على الاقل.

عندما جاء الرئيس اميل لحود في المرة الأولى القى خطاباً سياسياً نادراً تركز على اقامة دولة القانون. فمن هم الوزير او الوزراء، والنائب او النواب، الذين كانوا قتلة وسارقين ورؤساء عصابات، ومع ذلك دخلوا الحكومات والبرلمان؟ الواضح ان اللواء السيد يشير الى ان هؤلاء في الموالاة والحكم وليسوا في المعارضة. فكيف قبل النظام بوجودهم. وفي العادة يحال القتلة والسارقون الى المحاكمة، فمن اوصلهم الى الحكم ومنحهم الحصانة، ومن وضع القتلة في سدة الحكومة واعفى السارقين المعلنين من المساءلة والمحاكمة؟

هذا السؤال تطرحه الناس منذ نهاية الحرب. وهو حقها. اما المسؤولون الكبار فلا يحق لهم طرح الاسئلة وتوجيه الاتهام، لأن عليهم بدل ذلك ان يقدموا الأجوبة. لقد وضعت حول عنق لبنان سلسلة من اصحاب السوابق المشهودة بحجة ان الذين صنعوا الحرب قادرون على صنع السلام، فمن الذي وضعهم؟ وبموجب اي قانون او اي مواصفات؟ ومن أفلت خزائن الدولة امام الحرامية، كما يشكو اللواء السيد؟ وهل اصغى أحد الى شكوى واحدة من شكاوى اللبنانيين، الذين رأوا انفسهم مضطرين الى التفرج على القانون وقد اصبح في ايدي الخارجين عليه؟

كنت مرة عند الرئيس الراحل الرئيس الياس سركيس، الأكثر نصاعة وعدلاً وإنصافاً بين الرؤساء، فراح يشكو من ان احد وزرائه ارتكب مخالفات مالية كبيرة. وقلت له، هل ان المخالفة يا فخامة الرئيس في ان يعمد فلانا الى السرقة، ام انها في تعيينه وزيراً وائتمانه على المال العام؟

في كلام اللواء السيد الكثير من الصحة وان لم يكن الحقيقة كلها. لكن السؤال الأكبر وربما الوحيد، هو من الذي دفع بهؤلاء الى الأمام ولماذا؟ ومن الذي سمى رجلاً متهماً بمجزرة شهيرة وزيراً؟ لقد جاء عدد كبير من «الشباب» من خلف المتاريس الى واجهة الحكومة، من دون المرور بدورة تدريبية قصيرة. ومعروف، في القانون الفرنسي، مثلاً، ان كل ضابط ذي رتبة يحال على التقاعد، عليه ان يخضع لدورة تستمر ستة اشهر، يتدرَّب خلالها على الحياة في المجتمع المدني، بعدما يكون قد امضى عمراً في الحياة العسكرية، فكيف اذا كان السادة عائدين من حرب اهلية في الأزقة؟

اعتقد ان اثارة المسألة قد تأخرت قليلاً. فقد مضى على البعض في المسؤولية اكثر مما مضى عليه في الحرب. ولم يعد الفساد اختصاصاً بل اصبح ثقافة عامة في السنوات الاخيرة. وفي خطاب الرئاسة الاولى قال العماد اميل لحود ان يد السارق سوف تقطع، لكن الحمد لله على سلامة جميع الأيدي. بل ان حكماً قضائياً واحداً لم يصدر في حق احد. حتى التعيينات الادارية تحولت الى منافسة في ارتكاب المخالفة واعتماد المحسوبية وصلات القربى في علانية لا سابقة لها. وكل هذا الانهيار العام اصاب القضاء وجعل سمعته في وضع لم يعرف في تاريخ لبنان، بما في ذلك مرحلة الحرب.

لقد جاءت شكوى اللواء السيد متأخرة. فالناس تئن منذ زمن. والذين في ايديهم القدرة على التوزير وصنع النواب، لم يكفوا عن فرض هذا النوع من اصحاب الارتكاب على اعناق اللبنانيين. واهم ما في كلام اللواء السيد انه قيل وكتب على لسان مسؤول في مرتبته. لكن المؤسف انه وجه الكلام الى الجهة غير المسؤولة.