«انقلع!»

TT

عفوا ليست هذه هي تحيتي لكم، لكنها واحدة من مفردات أغنية سعودية لمطرب شهير، و«انقلع» تعني في مصطلح الشتائم العربي «أغرب عن وجهي»، وفي موسوعة الشتائم المصرية «غور من وشي»، وهي مفردة استطاعت أن تدشن بها الأغنية العربية والخليجية عصرا جديدا للحب الشبابي، تماشيا على ما يبدو مع موجة العنف والإرهاب التي طغت على حياتنا السياسية والفكرية، والاجتماعية.

وعلى طريقة «ما فيش حد أحسن من حد» راحت الأغنية تباري الآخرين بالعنف، وتطلق رصاص كلماتها على عصافير الحب التي اعتدنا رقتها في أغاني الحب القديمة، فبدلا من الأغاني التي يظهر فيه الحبيب توسله، وضعفه بدونه، والشكوى من قسوته، وجفاءه، وطلب العفو والرحمة، والرجاء الحار بالوصل واللقاء، ظهر لنا المطرب الإماراتي يغني «حل عن سماي وروح»، فيرد عليه الآخر «اللي ما يبانا مانباه»، فما كان من المطرب السعودي الجديد إلا أن شاركهم في ساحة الردح الغنائي بمطلع اغنية، تقول «انقلع» وهو هنا طبعا يقصد «العذول» الشرير الذي لا يفهم مشاعر الحب، على اعتبار أنه هو من يفهم!.

أما النصائح التي تداولتها الأغاني الغزلية اليوم فهي نصائح من نوع «لا يهمك»، و«من يبيعك بالرخيص بعه بهلهلة» في بورصة العملات المالية.

«اللي ما يبينا مانباه»، و«حل عن سماي وروح» و«انقلع».. مفردات عشاق سوق حب جديد، يعاني على ما يبدو من حالة فيها «العرض أكثر من الطلب»، وحتى لا يظن البعض أن الحب في زماننا تغير وفقد معناه، فإنني أؤكد له أن هذا السوق الذي خاض فيها هذا العاشق اللامبالي بالحبيب تجربته المكررة، وظن أنها تستحق التوثيق، لتدخل التاريخ الغنائي، هو سوق بضائع الحب المستهلكة، على طريقة «الون وي» للاستخدام مرة واحدة، وهو سوق كما يقول عنه اللبنانيون «بلا أخلاق»، حيث يؤكد لنا راشد الماجد هذا في أغنيته الشهيرة المشتركة مع عبد المجيد عبد الله، فعبد المجيد يسأل راشد: «ياخوي وش فيك؟» فيرد عليه راشد: «تعبان!»، لنكتشف السبب، أن المحبوبة، سيدة محترفة في الحب، باعت الأصدقاء الاثنين بضاعة الحب والشوق وضحكت عليهما، على طريقة «اثنين في واحد».

ولم يعد أمامنا، وهذا النوع من الحب يغزو أغاني الشباب اليوم، في هرج ومرج إيقاعات صاخبة بمصاحبة كورس يصيح: «وراء، وراء»، إلا أن نتحسر على أغاني زمان «التي كان الحبيب يباري حبيبته في وصف ضعفه أمامها، ونحول جسده، واصفرار لونه، وهي علامات الحب البارزة، فتغالي الحبيبة وتحلف، كما حلفت ليلى العامرية، بأنها لم تتزين في غيابه، وأن لون الحناء الأحمر، الذي يراه على أصابعها ما هو غير دم سال من مآقيها من شده وجدها وشوقها!. لكن المطرب المصري الشاب بهاء سلطان رفض حالة الذل والمهانة التي عاشها الحبيب في أغاني وأشعار زمان ليصيح في وجه حبيبته «أوم أوقف وأنت بتكلمني!!» هذا هو العاشق وإلا فلا!!