أربعائيات.. ليلة من ذاكرة قديمة

TT

يحاصرنا البحر. لا عاصم اليوم من أفق أسود. وبوصلة خانها الريح فانكفأت !! جاءنا المتشرد في وسط الموج وانزلقت دمعة كان يغالبها. صرخ المتشرد «لا أعرف كيف يمر الإنسان بدرب الدمع. لا أعرف أن أيأس !! الخضرة دبت في خشبي والمنفى، وشموع تتلقح في قلبي، وصراخ أُهمل أعواماً... لا يغضب لا يبكي وتواطأت مع الأيام... نسيت.. وفاجأني» !! كان المتشرد ينضح عرقاً.. اختلط العرق المتناثر بالدمع فكان لقاء الماء الدافئ بالماء الدافئ، كان البحر عنيفاً، يرسل للموج إشارته فتزلزل أركان سفينتنا. كان البرق يضيء وجوه البحارة نلمح فيها مزيجاً من غضب وشموخ لا يعرف حداً !!

عاد المتشرد للتو وكان بهيّ الطلعة «دلتني الأشعار عليك.. فكيف أدل عليك بجمرة أشعاري. جعلتني الدمعات كمنديل العرس طرياً.. لا أجرح خدا، خذني وامسح فانوسك في الليل نشع بكل الأسرار.. وأعيذك أن تغضب مني أنت المطوي عليك جناحي في الأسحار» !!

قبل عبور الليل إلى مرفأ صبح من أيام الله لمحت المتشرد، كان يتمتم عشقا.. جاءت سفينتنا فجرا، انتبه البحارة وازدادوا تصميما. كان المتشرد ينشر في ألواح الخشب المتهالك روحا، وبأرواح البحارة روحا، كان المتشرد ينثر وردا أحمر، وشهدنا توقيع الهدنة بين السفن الصعبة والبحر، وتمتم «صنعتني ليلة حب أمي. أقطر في الليل. وأسأل ثلج الإنسان متى سيذوب. تركتني فوق تراب البستان الدافئ يجمعني الفقراء، ومر غريب... يعرف قدر الزهر، فافرد حجريه لروحي وتساقطت له ذلك مكتوب».

كانت ليلة.. تختلف عن كل الليالي !! تجربة متفردة اجتمعت فيها النوارس وأعلنت العصيان المدني على الانحناء... واتحد فيها البحارة بأجسادهم الهزيلة مع خشب السفينة.

تلك الليلة.. يستحيل أن تمحى من الذاكرة !