فلنكف عن التصفيق لكليبات الجريمة

TT

تحية ايها السيد عمر احمد عبد الله علي.

لا تحية الصداقة ولا التقدير، ولكن تحية في اي حال. فمن ادبيات الانسان ولياقات البشر ان يطرح المرء التحية على الآخر، قبل ان يبدأ بطرح الاسئلة. ودعني اصارحك للتو، انك لا تفاجئني على الاطلاق. لكنك تثير فيّ فضولاً مريراً. ليس لأنك رجل عادي وودود وتخالط الناس وتبني الصداقات. لا. هذه ميزة عرفها جميع رفاقك. سمير الجراح كان ايضاً يحب السهر والنكات. والسيد محمد عطا، كان هادئ الطباع كما قال والده الذي ظل يصرّ على ان ابنه حدّثه بالهاتف بعد 3 ايام من 11 سبتمبر. والآن تقول والدتك عنك الكلام نفسه. ولا تنس انها ام، سواء كان ابنها يقود الطائرات على المكاتب المكتظة، من دون ان يعرف مَن فيها، او كان يقود السيارات المتفجرة على المسارح المكتظة بمحبي شكسبير في الدوحة.

إذن، المفاجأة يا حضرة السيد عمر احمد عبد الله علي، ليست في النمط. فالقتلة السماويون والسفاكون الأخيار، متشابهون تقريباً في كل شيء. ولو لم يكونوا كذلك لما ارتكبوا المجازر نفسها، بالهدوء نفسه. هؤلاء لم يعطوا انفسهم فقط حق المحاسبة بل اعطوا ذواتهم كذلك حق الإدانة وتنفيذ الإعدام. والنجاة من الموت مجرد صدفة مستنكرة وتقصير. ويتساوى في احكامهم اطفال الرياض النائمون في بيوتهم والجنود في الكويت ورواد المسرح في الدوحة، من محبي شكسبير، وهواة الآثار المصرية في وادي ابو سنبل.

احب أن اقول إن المفاجأة الوحيدة هي في التفصيل. اذ كيف يمكن لمخلوق رزق طفلاً منذ شهر واحد، ان يقرر انه لن يعود الى طفله ذلك المساء. مع العلم بانه ليس مهماً على الاطلاق ان يعود الآخرون الى اطفالهم ام لا. فهؤلاء اناس لا تحق لهم الحياة فكيف بالعودة الى عائلاتهم.

والأمر الآخر، وليس الثاني اطلاقاً، كيف يعمل رجل في بلد نحو 15 عاماً، ثم يكافئه بقنبلة على استقراره وهدوئه؟ اذا كان «الواجب» الاسمى يقتضي ان يتيتم الأبناء وابناء الضحايا، فهل هذا هو الاسلوب الأسمى لبلد يؤمن الملجأ للاصوليين من كل الأنحاء، ويمنح الشيخ المجاهد اكبر فرصة إعلامية في التاريخ؟

الأسوأ من ذلك كله ان عمر علي قد وضع قطر في مأزق ادبي شديد الحرج. فقد اعتادت، عملاً بقانون الحرية والديمقراطية، بث جميع البطولات المماثلة اذا وقعت في السعودية او الكويت او العراق. وكانت «الجزيرة» تفعل ذلك بكل موضوعية مشهودة ودون اي تعليق او استنكار عملاً بحرية المعلومات. لكن عملية الدوحة قوبلت على الفور بتظاهرات واستنكار رسمي من قطر على كل المستويات.

واعتقد ان كل انسان في العالم، وليس فقط في الوطن العربي الكبير، يستنكر بالتأكيد هذه الجريمة. فالجريمة واحدة في كل مكان. ولا يمكن ان تكون بطولة في الرياض وجريمة في قطر. فبشاعة القتل واحدة وفظاعة الجريمة واحدة ووقع المصيبة واحد. ان القتل ليس مجرد شريط ملوَّن وخطاب مرفق بسخيف الشعر. خصوصاً القتل القاييني. والقتل ليس شيئاً افتراضياً للعرض وإثارة الغرائز، بل هو مجموعة جثث واشلاء وثكالى. وقد كان تحويل المسألة كلها الى كليبات موسمية، ابداعاً عربياً بامتياز وجزءاً من نقاء ونصاعة الصراع العربي.

الكل يعرف عادة اين تبتدئ لعبة الدماء المسفوحة، لكن احداً لا يعرف اين تنتهي. انها لعبة بلا قواعد وهدفها الوحيد المعلن هو الحصاد الاكبر في الموت. سواء كان الضحايا يحضرون مسرحية لأنطوان تشيكوف في موسكو او لوليم شكسبير في الدوحة. ولذا نضرع الى الله ان يحمي قطر من الشر الذي استضافته وظنته سوف يفيها الولاء، فإذا به يترك خلفه رضيعاً ورسالة وفاء الى شركة اعالته 15 عاماً.