في إعلامنا.. البقاء للأجمل!

TT

بالكاد تخلو أي شاشة من شاشاتنا من برامج تعنى بالجمال والمظهر الجذاب والرشيق، حتى تلك القنوات التي تصنف نفسها في خانة القنوات الملتزمة، فهي تقدم هذه البرامج في إطار صحي أو بيئي أو تحاول التلاعب على المضمون كي لا تظهر نفسها أنها انزلقت في خانة الاستهلاك هذه. فالرغبة في أن نكون على قدر عال من الجمال قديمة قدم وجودنا ربما. ففي القرون الوسطى كانت نساء النبلاء تعمدن إلى ابتلاع قليل من الزرنيخ، كما كن يربتن على جلدهن بدم الوطواط لتحسين بشرتهن. وفي القرن الثامن عشر كان الأميركيون يثمنون البول الدافئ للمراهقين، معتقدين أنه يزيد من نمش البشرة. أما نساء العصر الفيكتوري فكن يزلن ضلوعهن في عمليات مؤلمة لتبدو خصورهن ناحلة رقيقة.

إنه شغف عالمي بالافتتان، إلا أن الألم الذي نتعرض له جراء لهاثنا وراء الجمال، لم يحدّ من توسع صناعة عالمية يستثمر فيها سنوياً 160 مليار دولار يساهم الإعلام بشكل كبير في ترويجها. وبتنا نشاهد أخيرا الكثير من الإعلانات الترويجية لبرامج تقدم عمليات تجميلية مجانية للسيدات والفتيات، بدءاً من الأنف مروراً بشد الوجه والبوتوكس وشفط الدهون ليتمتعن بمظهر جذاب على أن يتم تصويرهن قبل وبعد العمليات على طريقة تلفزيون الواقع. هذا المنحى المستجد في إعلامنا يهدف لإشباع حاجتنا لأن نكون فاتنين وعلى قدر عال من الجاذبية، فحيازتنا للمظهر الحسن توفر لنا الكثير من فرص التصدر الاجتماعي.

مع بداية القرن العشرين حين بدأ الانتاج الضخم والعرض الكبير لمعايير مثالية للجمال من خلال الصور والمجلات والأفلام، انطلق عصر صناعة الجمال، لا كوصفة منزلية إنما كجزء منتوج استهلاكي يصعب الانتماء إلى الزمن الجديد من دونه. لكن هذا لا يجعلنا نغفل أن القسوة والاهتزاز الكلي كامنان خلف الواجهة البراقة للجمال. فقد لعبت صناعة الجمال على وتر الخوف من المظهر غير الجميل والهرم، وعلى الاستمتاع بلذة المظهر الجذاب من خلال استعمال علم النفس الحديث، فجرى إقناع نساء كثيرات بأن الأزمات النفسية يمكن أن تحل بمسحة من أحمر الشفاه أو بلون جديد للشعر. واللعب على هذا الوتر في مجتمعاتنا تحديداً أمر يلاقي أرضاً خصبة، فعلاقة المرأة بمجتمعها ومحيطها لا تزال علاقة إشكالية تكافح فيها كثيرات للتغلب على الصورة المقولبة للفتاة الجميلة التي تتحضر للزواج، كما أن النظرة إلى المرأة لا تزال نظرة دونية باعتبارها جزءاً ضعيفاً يحتاج دائماً إلى الحماية وعليه أن يلبي ما يطلب منه مضموناً وشكلاً أيضاً. وكثيراً ما تجد الفتاة والمرأة العربية نفسها أسيرة تقديمها كأنثى فقط مما يجعلها تلهث وراء مظهر يلبي التطلعات المحيطة بها. صحيح أن هناك الكثير من النماذج التي تمكنت من كسر هذا النموذج التقليدي، لكنها نماذج وتجارب فردية وتكاد تنحصر في نخب ودول محددة.

خلال حفل اطلاق أحد مساحيقها الشهيرة قالت إليزابيث آردن صاحبة ماركة الكريمات العالمية ساخرة، «أنا أحكم على المرأة وعلى الحصان بنفس المعايير: الرجلين والرأس ونهاية المؤخرة!!! ».

* إعلامية لبنانية تراقب وتتابع قضايا الإعلام

[email protected]