«مناخ» جديد في مواجهة دمشق

TT

تقرير لجنة تقصي الحقائق بشأن مقتل رفيق الحريري جاء قاسيا وعنيفا، والأهم من كل ذلك انه تقرير سياسي وليس امنياً، فهو يتحدث بوضوح عن دور سوريا في تأزيم الوضع اللبناني وتدخلها الذي فاق حدود المعقول في الشأن اللبناني، ويؤكد مسؤولية سوريا عن «المناخ» الذي ساد الوضع اللبناني قبل مقتل الحريري، ويتهم الأجهزة الامنية اللبنانية بالتقصير.

دمشق وحلفاؤها في لبنان سيرتكبون خطأ استراتيجيا اذا لم يقرأوا هذا التقرير بكل حذر قراءة سياسية واعية وفاحصة، فالتقرير قدم لواشنطن وباريس فرصة سانحة لتقديم قرار جديد لمجلس الأمن الدولي بشأن لبنان، والتقرير سيزيد في تدويل المسألة اللبنانية من خلال تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن مقتل الحريري، وربما تشكيل لجنة من مجلس الأمن لمراقبة الانتخابات اللبنانية.

تشكيل لجنة تحقيق دولية سيؤدي بالتبعية الى استدعاء مسؤولين سياسيين وأمنيين في بيروت ودمشق الى التحقيق، واذا كان امراً عادياً ان يقف مسؤول امني لبناني أمام لجنة تحقيق دولية، فما الذي سيفعله السوري؟ اذا قبل فهي مشكلة، واذا رفض فهي مشكلة اكبر.

الرئيس مبارك يقول ان مقتل الحريري ربما يكون فخاً تم نصبه لسوريا، وسواء اتفقنا او اختلفنا مع هذا التحليل فان وجود فخ لسوريا يتطلب منها ان تحذر الوقوع في الفخ، وان تنطلق من حقيقة ان الوضع اصبح الآن اكبر صعوبة وان التعاطي الايجابي مع المسألة والانحناء الايجابي لعاصفة كبيرة هو عين العقل وعين المنطق، وان اسوأ سيناريو هو الاعتراض على قرارات ستمتلك قوة دفع دولية هائلة.

الحل الإيجابي يتطلب الإسراع في الانسحاب بالكامل من لبنان وبسرعة قياسية، واعلان الرغبة في التعاون مع أية لجنة دولية، وضبط الأجهزة الامنية السورية بشكل دقيق، فأي اختراق امني لهذه الأجهزة يؤدي الى ايذاء احد في لبنان ستكون نتائجه سلبية وكبيرة. ودمشق بحاجة الى ترميم علاقاتها الدولية وتحديدا مع فرنسا واميركا، والتخلي عن لغة الرفض والتصعيد، فالمسألة في النهاية ليست منازلة كلامية، بل موازين قوى فعلية، وأهم من كل ذلك القناعة بأن الدنيا تغيرت بشكل كبير، وان كل السيناريوهات اصبحت مفتوحة.