الديموقراطية وبن لادن

TT

الديموقراطية، بتحقيقها المشاركة الشعبية، ربما تفضي اخيرا الى سلم مدني، وتؤمن بقاء الانظمة، وتضمن المحاسبة، لكن من الخطأ الادعاء بانها تحل مشكلة الإرهاب. ففي هذا القول خلط، والدليل اربعون عاما من الارهاب في اسبانيا والمانيا واليابان وآيرلندا. ففي عراق صدام كان الأمن مستتبا اكثر من عراق علاوي. العراق الديكتاتوري استتب أمنه لعقود من خلال القتل الجماعي للعائلات المشتبه فيها، وجعل قرى آمنة امثلة لردع الآخرين فقضى على اهلها. اما عراق الحاضر فرغم كثرة الارهاب والارهابيين لم تعدم حكومة علاوي بعد مجرما واحدا لأنها تصر على ألا تتم عقوبات قبل استيفاء الواجبات القانونية. الديموقراطية ضعيفة امام الارهاب ومن الخطأ بيعها للناس كوصفة للسعال والفقر والعنف، لأنها ليست كذلك بل لها مزاياها الايجابية الأخرى.

وهنا أخطأت وزيرة الخارجية الاميركية، كونداليزا رايس، التي نسب اليها قولها امام مديري تحرير صحيفة «الواشنطن بوست» ان الانتخابات في المنطقة ستحقق القضاء على الارهاب. الصحيح ان الانتخابات تحد من سلطة الحكم الفردي في الحكم لكنها لا تمنع بن لادن ورفاقه من الاستمرار في التجنيد والتفجير.

في المقابل اصاب وكيل وزارة الدفاع الاميركية، دوغلاس فايث، الذي قال امام طلاب يدرسون انظمة الحكم في جامعة هافارد «إن الانتصار في الحرب على الإرهاب يتطلب مقارعة آيديولوجيا الإرهاب بالحجج المضادة لدحضها». ويتفهم فايت أيضا ضرورات عامل الزمن في مقارعة الفكر المتطرف حتى يهزم الارهاب مذكرا ان بريطانيا أمضت خمسين سنة من التثقيف حتى اقنعت مواطنيها وقضت على تجارة الرق في القرن التاسع عشر. الديموقراطية ليست حلا سحريا، فالهند اكبر الديموقراطيات ولا تزال من اكبر الدول الفقيرة ايضا، لكن المؤكد ان المشاركة الشعبية منحت هذه الدولة المختلطة شعوبا وأديانا الاستقرار الضروري، وبدونها ربما كنا سمعنا عن كوارث هائلة.

وحتى لا نخلط الوعود فإن ميزة الانتخابات هي عيبها أيضا، فهي تعكس ما يريده الناس، حسنا او كان سيئا. فقد انتخب الالمان رجلا قاسيا وشريرا في انتخابات ديموقراطية لانه جذب الناس من خلال سلسلة اكاذيب مستغلا اوضاعهم الاقتصادية والتاريخية السيئة ليقودهم لاحقا نحو الكارثة. انتخاب هتلر ايضا ليس دليلا على ان الديموقراطية ممارسة سيئة بل يجب فهمها في اطاريها الفكري وممارستها المحلية. مؤسف ان نقولها لكن الحقيقة ان كثيرا من الشعوب الاسلامية، بحكم شعورها المزمن بالفشل والاحباط والكره للغرب، مستعدة لانتخاب متطرف مثل اسامة بن لادن يبيع لها الخلاص والنجاح. وهناك نظرية تقول إن بن لادن لو دخل الانتخابات لكسب في اركان عديدة من الدول الاسلامية، وهذه الفرضية لن تمتحن إلا ان هيمنة الفكر المتطرف حقيقة نلمسها في المنطقة. بلا ثقافة تحارب التطرف وتحض على التعايش وتنحو باتجاه التطور تصبح الديموقراطية سلما يصعد عليه اسوأ الناس في المجتمع.

[email protected]