وماذا بعد خراب البصرة؟

TT

فترة الأربعينات وإلى الستينات الميلادية شهد العالم العربي فيها ما يمكن أن يطلق عليه الحقبة المصرية، وكانت تلك الفترة عبارة عن انبهار وإتباع للآداب والعلوم والفنون والسياسة الآتية من أرض الكنانة، حتى بات أمر الهجرة لها والإقامة فيها لأغراض العلم والعمل أمرا مألوفا.

وتركت تلك الحقبة آثارها في الأنظمة والأفراد العرب بتفاوت. وبعدها أتت حقبة لبنان الذي شهد ازدهارا كان نتيجته أنه جذب أعدادا كبيرة من العرب للعمل والدراسة وممارسة السياسة على أرضه، مؤديا إلى تفاقم الوضع السياسي اللبناني، نفسه مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية مجنونة دمرت الأخضر واليابس.

ثم جاءت الحقبة الخليجية التي شهدت ولادة الطفرة وما أتى معها من نعم ونقم، فحدث تغيير على الساحة العربية، فها هي دول «جديدة» تظهر لتكون لها كلمة في العديد من الشؤون المختلفة، وتبدأ بالتالي تؤثر على المنطقة بأسرها.

واستمرت هذه الحقبة فترة طويلة، ثم عادت الحقبة المصرية لفترة بسيطة جدا، وبعد ذلك أتت حقبة لبنانية جديدة تعتمد على إبهار معين غير مسبوق عن طريق الفضائيات، مع حضور بسيط في الصحافة، وأدى ذلك إلى إقبال من العرب للعودة إلى لبنان.

واليوم هناك حقبة جديدة، ألا وهي الحقبة العراقية، ذلك البلد الذي شاهد من الويلات ما يصعب وصفه، فهو ينوء تحت الاحتلال، وتشهد أراضيه ضحايا من الأبرياء بشكل بشع، ويأتي بعد سنوات من «احتلال» صدام حسين له وتدميره وقتل الآلاف منه.

العراق يولد من جديد ويمر بمخاض عسير، من المفروض أن يشهد بعد ذلك عراقا حرا تحكمه المؤسسات لا الأهواء، ينشر السلام بدلا من الحرب، يزرع العلم بدلا من الألغام، ينادي للحياة بدلا من الموت.

والعراق وأحداثه اليوم من الممكن أن تؤثر في العديد من المسلمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، فهناك مستقبل جديد يصنع العراق، وسواء نجح أو فشل فإن أثره لن يطال العراق فقط، ولكن المنطقة بأسرها.

وعليه فإن الحقبة العراقية التي يحياها العالم العربي بقلق وشك وريبة، قد يكون فيها من الخير الكثير لو تمكن العرب، كشعوب قبل الحكومات، من التواصل مع العراقيين أنفسهم (لا مع أبواق فضائية ومكتوبة تتحدث بالنيابة عنهم)، حتى يعرفوا الحقيقة ويساعدوهم على الوصول إلى بر الأمان بعد سنوات من الإهمال العربي لهم كشعب.

هناك حقائق لم تظهر بعد على السطح في أحداث العراق الحالية، حقائق تساهم في صنع هذه الحقبة الجديدة، سلبية التعاطي مع العراق والتنظير بشأن مستقبله، سيضران العراق والمنطقة.

ما يتطلبه العراق اليوم التركيز على أبنائه لبناء مستقبلهم، لا بحثهم عن المزيد من الهلاك والدمار، وحينها سوف تكون الحقبة العراقية بحق تغيرا كاملا ومدعاة للفخر.

[email protected]