العراق مهدد بإخراجه من الخريطة العربية!

TT

الكلام الذي قيل خلال «الزوبعة» السياسية والإعلامية التي أُفتعلت ضد الأردن على خلفية خبر «إثارة» نشرته إحدى الصحف الأردنية، يشير الى ان بعض القوى والأحزاب العراقية ذات الصبغة المذهبية تسعى لاقتلاع العراق من خارطة الوطن العربي وإغلاق كل نوافذه مع الدول العربية المجاورة وجعل طريقه، الآمن والسالك، في اتجاه الشرق فقط سعياً لتحويله الى مجالٍ حيوي لإيران وحديقة خلفية للمعممين أصحاب النـزعات الفارسية المتزمتة والحالمين باستعادة مجد كسرى و«إيوانه» في سلمان باك.

لم تقتصر مهرجانات الشتائم، التي وقفت وراءها «أجندات» شخصية على الاردن بل تعدته الى استهداف العرب كلهم والمطالبة بطردهم وإلصاق تهمة «الإرهاب» و«الارتزاق» بهم بدون التمييز بين الطالب الجامعي والمقاول الذي جاء للمشاركة في إعادة بناء العراق والدبلوماسي وعابر السبيل و«الإرهابي» والمجند لحساب مخابرات إقليمية والتابع لتنظيــــم «القاعدة» الذي لا هوية عربية ولا إسلامية له.

إن ما كَتَبتْهُ صحف بعض الأحزاب المذهبية وما نطقت به بعض الفضائيات المحسوبة على هذه الأحزاب، خلال الأسابيع الأخيرة، يشير الى ان العراق معرض لأخطار حقيقية وفعلية من بينها دفعه لإغلاق أبوابه ونوافذه مع كل دول الجوار العربي بحجة ان العرب ساندوا صدام حسين ذات يوم وان بعض الإرهابيين الذين يزرعون الموت والدمار في المدن والقرى العراقية جاءوا تسرباً وتسللاً عبر حدود بعض الدول المجاورة.

وهنا فإنه لا بد من تفهم أن يشعر الانسان العراقي العادي البريء بهذا الشعور الغاضب فالزمر الإرهابية الداخلية والوافدة من الخارج تجاوزت كل الحدود وتحولت، باسم المقاومة وبحجة السعي لحمل المحتلين الأميركيين على الرحيل عن العراق، الى قطعان من الذئاب الكاسرة المسعورة التي تسفك دماء العراقيين وتمزق أجساد أطفالهم بالقنابل والسيارات المتفجرة في كل يوم وفي كل الأمكنة.

لكن ومع ضرورة تقدير هذه الاوضاع النفسية التي يعيشها الشعب العراقي، بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الوحشة والخوف والمجازر والمقابر الجماعية في عهد أسوأ نظام حُكمٍ عرفته البشرية وبعد عامين من الإرهاب والذبح، فإنه لا يوجد أي مبرر لأن تستغل بعض المجموعات الموترة او الجاهلة أو المـُضلَّلة مأساة العراقيين وأحزانهم النبيلة وترفع رايات العداء للعرب والعروبة وتسعى بشكل منهجي مخطط لإغلاق ابواب العراق ونوافذه مع كل الدول العربية المجاورة وربط مصيره بإيران التي هي اليوم جمهورية إسلامية والتي قد تعود غداً أو بعد غد لحكم الأسرة البهلوية أو أي حكم آخر.

وبداية وتفادياً لأي لبسٍ او التباس فإنه لا بد من التأكيد، مثنى وثلاثاً ورباع، بأن المقصود ليس الطائفة الشيعية الكريمة ولا أحزابها الرئيسية الراشدة ولا قبائلها العربية العريقة والأصيلة ولا القوى والتنظيمات العلمانية المتمركزة أساساً في الجنوب العراقي والمنطلقة منه.. إن المقصود هو بعض الطفيليين الذين أتقنوا ألاعيب «الأكروبات» السياسية وامتهنوا الانتقال من حضن مخابرات الى حضن مخابرات أخرى والذين لا يتورعون عن استغلال أحزان وأوجاع هذه الطائفة الشريفة المجاهدة لتسديد حسابات شخصية وللتحريض على العرب والعروبة وللترويج لنفوذ مذهبي سيكون حتماً جسراً لنفوذ قومي فارسي يتكىء على أحلام وتطلعات تاريخية معروفة.

لكن وحتى لا نكون كمن يتطلع الى النصف الفارغ من الكأس فإنه لا بد من الإشارة الى ان هناك أغلبية صامتة من ابناء عشائر الطائفة الشيعية الكريمة وأن هذه الأغلبية الرافضة للنفوذ الإيراني ولولاية الفقيه ولتحويل العراق الى جمهورية إسلامية على غرار الجمهورية الإسلامية التي أنشأها في إيران الإمام الخميني، رحمه الله، غير قابلة بواقع الحال وهي أي هذه الأغلبية ضد اقتلاع العراق من الخريطة العربية وإغلاق نوافذه وأبوابه مع الدول المجاورة «الشقيقة» وهي أغلبية إن هي لم تستطع التعبير عن نفسها من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة فإنها ستُعبـِّرُ بالتأكيد عن نفسها من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة.

إن هذه هي الضمانة الأولى لإفشال مخطط هيمنة الإيرانيين المتشددين قومياً على العراق وإفشال محاولات إغلاق كل طرق هذا البلد العربي نحو الدول العربية المجاورة وجعل خياره الوحيد هو الاتجاه نحو الشرق... أما الضمانة الثانية فهي ان الأكراد ممثلين بالحزب الديموقراطي بزعامة مسعود البارزاني وحزب الاتحاد الوطني بقيادة جلال الطالباني إذا كان لا بد من الاختيار فإنهم حتماً سيختارون الفضاء العربي والأسباب هنا كثيرة ومعروفة وأهمها أنه لا مطامع إقليمية لأي دولة عربية لا في العراق ولا في كردستان العراقي وان هناك إمكانية كبيرة لأن يتفهم العرب كأمة تطلعات الأمة الكردية نحو تقرير المصير والاستقلال وإقامة دولة هذا الشعب الشقيق القومية عندما تتهيأ الظروف الموضوعية لإقامتها.

إن بإمكان الأكراد كأمة وكدولة قومية لا تقتصر جغرافيتها على العراق وحده ان يتعايشوا ويتكاملوا في الإقليم كله مع الأمة العربية ودولها المجاورة وذلك في حين ان مثل هذا التعايش وهذا التكامل غير ممكن على الإطلاق مع إيران التي تختبـىء تحت بعض عمائمها نزعة قومية شوفينية خطيرة والتي ستبقى تخشى ان تنتقل عدوى النـزعة الاستقلالية من الأكراد العراقيين الى الأكراد الإيرانيين.

غير مطلوب ولا متوقع ان يدخل أكراد العراق في مواجهة مع إيران فمصلحتهم لا تقتضي ذلك ولكن المتوقع ان لا تعتبر القيادات الكردية تحالفاتها على أساس نتائج الانتخابات الأخيرة تحالفات استراتيجية أبدية فهذه النتائج التي يعرف الزعيم مسعود البارزاني وزميله جلال الطالباني الظروف التي رافقتها واللون المذهبي الذي اتخذته ليس شرطاً ان تكون هي نفسها نتائج الانتخابات المقررة المقبلة التي من المقرر إجراؤها بعد ثمانية شهور.

ولذلك فإنه لا بد من العمل منذ الآن على ان تكون الانتخابات المقررة المقبلة أولاً نزيهة وثانياً ان تجري وفقاً لبرامج سياسية وطنية وليس على أساس الصراخ المذهبي والتعصب الاثني وثالثاً ان تكون نتائجها متوازنة ولا تشعر أي شريحة عراقية، لا أساسية ولا ثانوية، بأنها مستهدفة ومستثناة ومقصية.

إن مصلحة الشعب العراقي كله، بكل أعراقه ومذاهبه وطوائفه، هي أن لا يصبح العراق مجالاً حيوياً لأي دولة مجاورة وان لا تكون هويته العربية على حساب الهوية الكردية وبالمقدار ذاته وأكثر ان لا يتحول هذا البلد أو أي جزء منه الى حديقة خلفية لإيران ولا الى منطلق للنفوذ الإيراني في اتجاه دول الإقليم الأخرى.