سياسات الكرملين وديكتاتورية بوتين

TT

كان سيرجي ميرونوف، رئيس البرلمان الروسي يتحدث في الآونة الاخيرة حول «المهددات الحقيقية للخطر الفاشي في روسيا». ورغم ان المناشدة تشير الى وجود خطر كبير يتطلب اتخاذ خطوة على نحو عاجل، فإن حديث ميرونوف يبدو مبهما وضعيفا فيما يتعلق بالخطوة او الخطوات التي يجب اتخاذها. ربما اعتقد ميرونوف ان حديثه عن هذا الخطر سيحمل الشعب الروسي على مطالبة الرئيس فلاديمير بوتين بالبقاء عام 2008 عند انتهاء فترة رئاسته الحالية. تتلخص الفكرة في ان الكرملين ربما يستغل الحديث عن احتمال سيطرة القوميين على السلطة كمبرر لإلغاء الانتخابات وتمديد فترة رئاسة بوتين. هذا واحد فقط من عدة سيناريوهات حول انتخابات الرئاسة لعام 2008 . ويشير المعنى الضمني لهذا السيناريو الى غياب سيناريو آخر في جو الشائعات السياسية وهو التنبؤ بانتقال سلطة الرئاسة ديمقراطيا، وهذا ما لم يحدث في روسيا.

وكما هو الحال في الانظمة الشمولية «الناعمة»، فإن تسليم السلطة الى منافس سياسي امر غير مقبول لدى النخبة الحاكمة. فالرئيس فلاديمير بوتين يعتمد على نظام سياسي اغتصبت الادارة فيه سلطة الدولة، فيما اصبحت جهات حكومية اخرى مجرد ديكور فقط وباتت عملية صنع القرار محصورة داخل جدران الكرملين.

تقول الشائعات ان الكرملين ربما يحاول ان يعيد مجددا ترديد الأحاديث التي جاءت ببوتين الى السلطة عام 2000، او احتمال ان ينظر الكرملين في إجراء تغيير دستوري ينص على وجود نظام برلماني يتسلم فيه بوتين رئاسة الحكومة ويترك الرئاسة الى احد اتباعه الذين يحظون بثقته. ولكن بصرف النظر عن السيناريو الذي سيختاره الكرملين، فإنه ليس من المؤكد ان يكون قادرا على التعامل مع هذا الخيار دون إحداث أزمة سياسية.

ترديد الخطر الذي يشكله القوميون يثير الشعور بعدم الاستقرار. فالنزعة القومية وكره الأجانب ليست أخطارا مختلقة وإنما موجودة على ارض الواقع. فالعنف العرقي وحتى قتل غير الروس، ابتداء من الاطفال التاجيك الى الدبلوماسيين الأفارقة، بات أمرا روتينيا في شوارع موسكو والمدن الروسية الأخرى. يضاف الى ذلك ان الأدب القومي متوفر في مكتبات موسكو المعروفة. كما أشارت نتائج استطلاع الى ان أعدادا متزايدة من الروس يؤيدون افكارا مثل «روسيا للروس»، وتشير نتائج نفس الاستطلاع الى ان الشباب الروس اكثر ميلا، مقارنة بالروس الأكبر سنا، الى الاعتقاد في ان «الاقليات العرقية تتمتع بسلطات واسعة في بلدنا». وبصورة عامة، اصبح عدد من يقبلون هذه الفكرة اكثر ممن يرفضونها. إلا ان الكرملين آثر استغلال الخطر القومي بدلا من اتخاذ إجراءات صارمة للجمه. فقد بات الخطر القومي مبررا لسن سياسات متشددة. الغرب من جانبه لا يتوقع في الغالب ان يصر على مراعاة الإجراءات الديمقراطية اذا كان هناك خطر حقيقي يتمثل في احتمال ان يصل الى السلطة في بلد نووي مثل روسيا زعيم فاشي، وبالتالي سيعتبر بوتين والقيادات التي يثق فيها افضل بكثير من ان يأتي الى السلطة في موسكو دكتاتور قومي.

دبر الكرملين قبل انتخابات عام 2003 البرلمانية تشكيل حزب «رودينا» القومي برئاسة ديمتري روغوزين. حصل الحزب على اصوات الناخبين ذوي النزعة القومية، وكان اداؤه بصورة عامة افضل مما كان يتوقع الكرملين، ويعتبر الحزب في حالة صعود الآن. مدى خضوع روغوزين لسيطرة الكرملين، ومدى مقدرته على السيطرة على مشاعر جماهير حزبه، باتت الآن محل تساؤل. يضاف الى كل ذلك ان الكرملين بات جزءا من لعبة غاية في الخطورة بسب سعيه للتأكيد على بقاء النخبة السياسية الحالية.

* صحافية وكاتبة في مجال الشؤون السياسية الروسية

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»