إعلام بين نارين

TT

فجوة كبيرة القائمة اليوم ما بين الاعلام العربي والإعلام الغربي وتحديدا الأمير كي، وخصوصا في ما يتعلق بأحداث الشرق الاوسط. كان ذلك هو النتيجة الأولية الواضحة التي توصلت اليها بعد حضوري لمؤتمر جريء عن الحوار الاعلامي ما بين العرب وأميركا عقد اخيرا بالأقصر في مصر. ودعي الى هذا المؤتمر مجموعة من الاعلاميين المميزين في الولايات المتحدة العاملين في مجال الاعلام المكتوب والمرئي والإلكتروني، وكذلك حضره عدد مميز من العالم العربي.

نقطتان فارقتان كانتا الأهم وظهرتا بسرعة في خضم النقاش، النقطة الأولى التمييز الاخباري الواضح في تغطية «الخبر الاسرائيلي»، فهناك عُرفٌ في الصحافة المرئية والمكتوبة الأميركية يقضي بعدم نشر أي صور لجثث مشوهة، إلا أن هذا العُرف لا يعمل به حين تغطية العمليات الفلسطينية في اسرائيل.

فتظهر بوضوح وفي الصفحات الأولى والرئيسية صور القتلى الاسرائيليين، وهذا الاستثناء يساعد على اثارة الرأي العام الأميركي لصالح السياسات المؤيدة لإسرائيل على اعتبارات انسانية.

أما النقطة الثانية، فهي الضعف الشديد في التغطية المهنية بالعمل الصحافي والإعلامي العربي، فالعالم العربي مليء بالكتاب، ولكن يندر وجود الصحافي المهني المحترف، الذي يعتمد على دقة الخبر لا عواطفه، وعلى تغطية كافة الجوانب للخبر، لا ما يثير القارئ.

ولعل هذه الفجوة التي حدثت وأضافت لها تسييس الاعلام الأميركي بالدخول لعنصر المال فيها وإفسادها من جهة، والتشنج العاطفي الذي يطغى على الخطاب الاعلامي العربي، جعلا الصوت الاعلامي المسؤول يظهر في دول أخرى كأوروبا الاسكندنافية والهند.

ففي الهند هناك حركة صحافية معنية بالمواطنة المسؤولة ورفع درجة الحس الوطني والتفاعل مع القضايا لتصنع رأيا عاما يتحرك.

وإذا كان الأميركيون يرون في محطتي «الجزيرة» و«العربية» والكثير من الصحف العربية انهم مثال للتشنج والإثارة والانفعال، فالعرب يرون فوكس، و«إم إس إن بي سي»، بالإضافة لبعض الصحف الاخرى، انها كذلك.

وحين تم طرح تلك النقاط بين ضيوف المؤتمر حدثت رغبة جادة في تضييق الفجوة وإيجاد نقاط تلاق بمراكز ودورات تدريب لتطوير أداء الكوادر الاعلامية في العالم العربي.

كما تم التحدث عن استحداث قائمة بيانات مشتركة لحصر الكفاءات البشرية المتخصصة في المواضيع المختلفة المطروحة على الساحة الاعلامية بدلا من الاعتماد على ما يطلق عليه «خبراء» في الشأن، وهم في كثير من الأحيان لا علاقة لهم بالموضوع.

الفجوة الإعلامية الهائلة الموجودة اليوم هي احد معوقات صناعة سياسة متوائمة ما بين أميركا والعالم العربي.

وهناك الكثير من القرارات السياسية المطلوب اتخاذها حتى يتم الاستقرار في المنطقة من جهة، ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى، ولكن قد يكون التطوير الاعلامي في العالم العربي هو خطوة سيستفيد منها المجتمع العربي أولا.

وهذا مطلب جميل يستحق أن يسعى لإنجاحه الجميع، وهذا لن يتأتى الا بجرعة صادقة من الحرية والثقة بالنفس، ويبقى فقط القدرة على قبول ذلك.

[email protected]