الأبطال والأبقار

TT

عندما فاز ابنها بطل التنس العتيد روجر فيدري لم تمنحه حسابا ماليا من حساباتها السرية، ولا قالب ذهب من احتياطيها المخزن، ولا حتى ساعة سويسرية فخر صناعتها، بل اهدته بقرة حلوباً. وكأي فخور بالهدية حلب بيديه البقرة امام الجميع كما لو كان يلعب مباراة رباعية. تخيلوا لو منحت حكومة عربية بطلا من ابطالها جملا او ثورا احتفاء ببطولته، لربما نزع العلم وفر الى أرض أخرى. ولا أشكك ان كل نجوم الرياضة يحبون ان يرفعوا اعلام بلدانهم وان يفاخروا باسمها في محافل البطولات العالمية.

وطبعا ليست من عادة الأبطال حلب الابقار ولا الاقتناع بجوائز مثل مهور فتيات دول افريقيا الوسطى، ابقار وماعز، بل شيكات من ستة ارقام مالية. هذا بالنسبة للمرتبات والمكافآت الوظيفية، أما الهدايا الوطنية والشعبية، مثل تلك التي تقدمها بلدية او جمعية، فهي عادة هدايا بسيطة ذات مدلول رمزي، لا صناديق مذهبة ومجسمات تصلح فقط لترمى في المستودعات. الهدية مجرد شعور عام حتى لو كانت تلك البقرة السويسرية.

وسويسرا نفسها بلد لا يزال يثير خيال الكثيرين برمزيته في التعايش. نظامه الذي يختلف عن معظم الانظمة الغربية الأخرى، انه حافظ على نفسه باختلافاته منذ سبعة قرون. وحتى اليوم يثير دهشة علماء الاجتماع لقدرته على التماسك والنجاح والاستمرار بتعدديته وثقافاته ولغاته وقوانينه وحياديته ونجاته من كل احداث العالم. لم يحاول ان يفرض لغة واحدة من لغات مواطنيه الالمانية او الفرنسية او الايطالية، رغم تجاذبات سياسات الاقليم الذي يعيش فيه من قوميات فاشية ووحدوية اوروبية ونزعات انفصالية. ورغم هذه التناقضات داخل سويسرا فان البلد بقي متماسكا في وحدته ونظامه المفرط في لامركزيته. وسبق ان قرأت كتابا، لا اتذكر عنوانه اليوم، لأحد السياسيين العرب السابقين حول كيف اصبح سويسرياً، روى كيف تطلب منه النظام ان يقنع اهل المقاطعة بمنحه موافقتهم لا الحكومة. فالنظام يحيل مسؤولية القرار للتصويت الداخلي، وما عليك إلا ان تكون مواطنا صالحا حتى تنسجم وتصبح واحدا منهم.

سويسرا ليست بلدا مرفّهاً رغم ثرائه ولا معتدا بقوته رغم منعته الأمنية، ولا عنصريا رغم تعدديته واختلاف طبائع اهله. ايضا لم تنافس قط حكومتها احدا على ان تكون على الخريطة السياسية، ولم تسْعَ لزعامة او تروج لحركة رغم انها النموذج الاول في الحياد. ورغم انها من اغنى الدول في العالم إلا انها ترى القناعة الكنز الذي لا يفنى. حتى انها لا تزال تخصص دراجة عادية لكل مسؤول في الجيش ضمن نظامها القديم ليستخدمها عند الاستنفار العسكري.

[email protected]