24 ساعة بعد وفاة البابا

TT

توصف فرنسا بأنها الابنة البكر للكنيسة الكاثوليكية. ومع هذا، فقد اعترضت شخصيات سياسية على تنكيس اعلام الدولة لمدة 24 ساعة حدادا على وفاة البابا.

واذا كانت هناك صفة تنطبق تمام الانطباق على الفرنسي، فهي انه مواطن معترض، بكسر الراء. ورغم عدم اطلاعي على احصائية او دراسة رسمية، فإنني ازعم ان الفرنسي يمضي نصف نهاره وهو يتأفف. والتأفف مفردة مهذبة للنفخة الصوتية، او «العفطة» بلغة اهل بغداد، التي هي من صميم طباع القوم هنا، يطلقونها بين العبارة والاخرى، وحتى بين صمت وآخر، تعبيرا عن التذمر بشروط حياتهم وبما يجري حولهم. ماذا لو عاش احدهم في العراق مثلا؟ لا شك انه سيجرب الموت، لا حبا، بل تأففا.

وخلافا لدول اخرى، فإن فرنسا لم تعلن الحداد لثلاثة ايام، مثل مصر او كوبا، ومع هذا ارتفعت اصوات تعترض على قرار الحكومة بتنكيس الاعلام فوق المباني الرسمية، بحجة ان ذلك يخالف مبدأ علمانية الدولة. انهم يريدونها «علمانية» لا تشوبها اي شائبة حسبما جاء في تصريحات نائب اشتراكي، ولا تناسبهم العلمانية «النصف كم»، او «النص ردن».

وذهب أحد نواب حزب الخضر الى حد اعتبار كلمة التأبين التي نطق بها الرئيس شيراك تكريما للبابا الراحل، بمثابة سوء استخدام للسلطة لأنها تلزم جميع الفرنسيين الزاما عقائديا لا يجوز زجهم فيه. انه موضوع يتعلق بالخيارات الشخصية ولا دخل للدولة فيه. ودعا نائب آخر رؤساء البلديات الى عصيان أمر الحكومة والامتناع عن تنكيس الاعلام.

ودخلت القضية ميدان الجدل العام. والجدل هو الهواية المفضلة الاخرى للفرنسيين بعد هواية التأفف. لكن شتان ما بين الجدل العقيم، جدل البيضة والدجاجة، والجدل المثير للفكر والمحفز للخيال. ففي هذا الاخير، يجد قارئ الصحف ومشاهد التلفزيون نفسه امام وجبة غنية من المتعة، او درس في الديمقراطية وحرية القول، حين لا تكون هناك محرمات او مقامات سياسية ودينية يخشاها صاحب الفكرة ويتحاشى بطشها، سواء كان مواطنا بسيطا او نائبا تحت القبة.

أليس من عجائب يوحنا بولس الثاني ان تفتح وفاته ابواب الجدل.. مثل حياته؟!

***

سؤال: من هو اكثر الناس قهرا بسبب رحيل البابا؟

جواب: كاميلا باركر باولز. لقد انتظرت 35 عاما لكي تنتقل من خانة العشيقة الى خانة الزوجة ثم جاءت جنازة البابا لكي تطيل انتظارها 24 ساعة، هي نفس مدة تنكيس الاعلام الفرنسية.