شرطة آداب .. أم مقاومة؟

TT

قصة الفتاة الفلسطينية التي لم تكمل العشرين عاما من عمرها، وقتلها مسلحون محسوبون على كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحماس، وهي في نزهة مع خطيبها في غزة، واحدة من قصص الانفلاتات الامنية التي لم تكن مقصورة على تنظيم او ميليشيا واحدة، وأخذت شكل الظاهرة منذ ما قبل وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وكان يعتقد انها ستتلاشى، او ان الفصائل ستكون اكثر انضباطا في الظرف الجديد خاصة مع التفاهم الذي حدث مع السلطة واتفاق التهدئة.

ولم يكن لهذه الفتاة، التي كانت ستتزوج يوم الجمعة الماضي، وكانت بصحبتها اختها، أي ذنب سوى ان قائد احدى الخلايا كانت لديه شكوك في العلاقة، وارسل مسلحيه على طريقة العصابات لتطارد سيارة الفتاة وتفتح النار عليها. واذا صح ما قالته الشرطة الفلسطينية ان هؤلاء كانوا اعضاء في جهاز لحماية الآداب العامة تابع لحماس فان هذه مأساة في حد ذاتها لفلسطينيي غزة المحاصرين في اوضاع صعبة، وكأنه لا ينقصهم شيء سوى ان تحسب عليهم انفاسهم ونزهاتهم، وان ينصب افراد انفسهم شرطة آداب عليهم بدون أي شرعية إلا لأن معهم سلاحا.

وحسناً فعلت حركة حماس بإدانة هؤلاء المسلحين، ووصْف فعلهم بالطائش، وهي لها سابقة في تقديم اعتذار ودفع تعويض مالي لعائلة فلسطيني قتله مسلحوها خطأ بعد ان اعتبروه عميلا، وهو ما يجب ان تفعله الفصائل الاخرى عندما ترتكب اخطاء. هذه التجاوزات، والانفلات الامني الذي اصبح مصدر شكوى لكثير من الفلسطينيين مع سيطرة المسلحين على الشارع، تحتاج الى وقفة أكثر جذرية، ومعالجة أكثر جرأة، لأن انتشار السلاح في حد ذاته هو الذي يخلق الفوضى مع عدم وجود سلطة مركزية تحكمه وتعدد الفصائل التي ولدت فصائل وجماعات مسلحة اصغر تحكمها اهداف شخصية في بعض الاحيان. وبدون شك فإن الضربات التي تعرضت لها اجهزة السلطة الفلسطينية خلال سنوات الانتفاضة أسهمت بدرجة كبيرة في حالة الفراغ التي أتاحت لمسلحي الفصائل والجماعات المختلفة فرض نفوذهم على الناس.

وليس هناك طريق للقضاء على ظاهرة الفلتان الامني سوى إعادة تقوية اجهزة السلطة الفلسطينية وتنقية أجهزتها الامنية لتكسب ثقة الناس. لكن الحل ليس أمنيا فقط، فالشباب والناس يحتاجون الى شعور بالامل بأن هناك مستقبلا افضل يستطيعون التطلع اليه، ولن يتحقق هذا إلا بعملية تنمية اقتصادية تخلق وظائف وتعيد تحريك الاقتصاد الفلسطيني المتدهور، وهنا يأتي دور المجتمع الدولي في تقديم المساعدات الاقتصادية والتسهيلات التجارية حتى قبل ان تدور عجلة المفاوضات، فتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين هو الذي سيخلق الأمل ويجعل التفاوض له قيمة أعلى.