موسم الغزل بين الغرب والإسلاميين

TT

السبت الماضي جاء رجع الصدى الاوروبي للتوجه الامريكي الجديد في التعاطي مع الاسلام السياسي.

فالاخبار تقول ان وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي درسوا وثيقة تحث على بحث الدخول في حوار مع جماعات معارضة اسلامية في منطقة الشرق الاوسط، وحددت صفة هذه الجماعات بـ«المعتدلة».

وقالت الوثيقة، التي صدرت في ختام مباحثات استغرقت يومين بين وزراء اوروبيين في لوكسمبورغ، «في الماضي كان الاتحاد الاوروبي يفضل التعامل مع الطبقة العلمانية المثقفة في المجتمع المدني بالدول العربية على حساب منظمات اسلامية أكثر تمثيلا».

وقبل ذلك كانت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية قد اطلقت اشارات غزل مع الاخوان المسلمين في مصر، الامر الذي لاقى تجاوبا حذرا من الجماعة، التي لم تشأ اغلاق الباب تماما، بل تفاعلت مع هذه اللغة الحوارية شارطة علم وموافقة الحكم المصري.

وكانت المعلومات تشير الى وجود خلاف داخل الادارة الامريكية حول فتح الحوار مع الجماعات الاسلامية الاساسية في الشرق الاوسط، وفي النهاية رجحت كفة القائلين بالقفز فوق جدار الدولة ومحاورة الاسلاميين المعارضين مباشرة، وأكدت رايس أن «الولايات المتحدة لا تخشى وصول تيارات إسلامية إلى السلطة شريطة أن تصل عن طريق ديمقراطي وأن تتبنى الديمقراطية».

ولا ندري، هل هناك غزل آخر مع اسلاميين معارضين اخرين في المنطقة، خصوصا ان هناك انظمة مغضوبا عليها امريكيا، تأتي سوريا في مقدمها، ولا يظهر في الافق من قوة حقيقية معارضة لهذا النظام، الا قوة الاخوان المسلمين السوريين...

هذه نغمة ناعمة جديدة ازاء الاسلاميين، تأتي بعد مرور اكثر من ثلاث سنوات على بركان 11 سبتمبر وحممه التي انقذفت في كل مكان.

وتأتي ايضا بعد سيل من الدراسات والتحذيرات من الاسلام كله، من دون تمييز، ولا نزال نذكر تصريحات برلسكوني عن همجية وتخلف الحضارة الاسلامية، كمثال فقط على حالة المعاداة الشاملة والوجل العميق من الاسلام والمسلمين.

ومثال آخر على نوعية الوعي الذي قدم عن الاسلام بعد 11 سبتمبر، مساهمة لوران مورافيك الباحث الفرنسي الأصل المهاجر حديثا إلى الولايات المتحدة، والمحلل السياسي في مؤسسة راند الامريكية.

فقد تحدث أمام مجلس سياسات الدفاع التابع للبنتاجون، وشن هجوما كاسحا ضد الاصولية، وعلى وجه التحديد الاصولية السعودية، داعيا الى اعتبار السعودية بلدا عدوا... افكار مورافيك، معروفة واثارت ضجة في حينها، لكن الان الصورة اختلفت واللغة صارت أهدأ، ولهيب البركان السبتمبري اقل حرارة، فانزوت افكار المسيو لوران.... الى حين.

ما الذي تغير الآن ليصبح المرذول بالامس، مرغوبا اليوم، وهل اصبحت التيارات الاصولية الحركية في الشرق الاوسط فجأة خيارا ديمقراطيا ملائما، بعد ان كان الاسلام كله، تقريبا، موضوعا في قفص الاتهام الغربي والامريكي خلال الثلاث سنوات الماضية.

بمعنى آخر، اذا كان مستودع الرفض الاساسي للغرب وحضارته يكمن في افكار وطروحات الاسلاميين وليس المسلمين! وهذا تمييز مهم، وان كان حديثنا ليس عنه الان، اقول اذا كان هذا العداء الديني والثقافي ينبع من الايديولوجية الاسلامية الحركية، فكيف اصبحت هي الان قنطرة العبور الى قلوب المسلمين ومجتمعاتهم؟!

واذا كان الامريكان يغازلون الاخوان المسلمين في مصر، فكيف سيتخطون العقبات النظرية والارث العدائي الديني العميق المؤصل له اخوانيا، بلغة عصرية تقوم على اعمدة قطب والمودودي الصلدة؟

لكن في المقابل علينا ألا نرى الصورة الظاهرة فقط، او نتجمد عند قشرة اللحظة الراهنة، هناك ما هو ابعد من ذلك، هناك شيء يجعل الحرام الامريكي حلالا والضلال الاخواني أو الاسلامي حكمة وهدى!

فما يبدو انه أملى هذا التوجه الامريكي والاوروبي الجديد، ظاهريا، هو أنه تم الوصول الى نتيجة مفادها ان لا قوة في الشرق الاوسط، على الارض الا للاسلاميين، حتى ان اختلفت الانتماءات الطائفية، فأسياد المشهد في العراق مثلا، هم إما الشيعة الاصوليون ممن يلوذ بعباءة المرجع الديني علي السيستاني، وإما هيئة علماء المسلمين السنة، ومن يلوذ بهم من السنة، صحيح ان هناك تفصيلات اخرى في المشهد...لكنها لا تؤثر في الصورة العامة.

وحضور وحيوية التيارات الاسلامية في بقية البلدان الشرق اوسطية لا يمكن ان تخطئها العين، نرى ذلك في انتخابات النقابات والجمعيات والاتحادات الاهلية في اكثر من دولة.

ولكن مهلا، هل يعكس ذلك، في ما يعكس ان كل المجتمعات العربية او المسلمة، هي مجتمعات ذات نزوع اصولي بطبيعتها؟ لست اظن ذلك، فالصورة اعقد من هذا، وحينما نرجع بالذاكرة الى الوراء، نتذكر كيف كان حزب الوفد الليبرالي في مصر هو الذي يحظى باصوات الاغلبية، وكيف كانت القوى الوطنية او الليبرالية تقود الحركة السياسية في سوريا او العراق او المغرب العربي، على حساب القوى الاسلامية الحركية، واذا عدنا من هذا التذكر الغابر لنرى الحاضر، سنحصي ايضا تصويتات واغلبيات في اتجاهات اخرى تشوش على فكرة الاغلبية الاسلامية على مجتمعاتنا...

ولنورد مثالا خفيفا وبسيطا، فقد عاد الشاب السعودي هشام هذه الايام من مسابقة «ستار اكاديمي» على فضائية ال بي سي اللبنانية، بعد اربعة اشهر من التنافس مع شبان وشابات عرب، للفوز بلقب نجم البرنامج غناء وتمثيلا ورقصا. البرنامج حظي بمحاربة الاسلاميين ووقفوا ضده بصرامة، وانهالت الخطب والكلمات والتحريضات عليه، ووبخ الشاب هشام على مشاركته، وقيل ان التصويت من داخل السعودية على خطوط الهاتف لصالح هشام كان متعذرا وممنوعا، مما يتطلب اجراء اتصال خارجي اكثر كلفة من اجل التصويت، ولكن ورغم كل هذه العقبات، فاز هشام باصوات السعوديين بنسبة كاسحة، فاقت كل التوقعات، هذا الامر جرى اكثر من مرة وصولا الى التصويت النهائي.

فماذا يعني هذا؟

طبعا لا اريد ان اتسرع بالقول انه ليس من الوارد ان يمنح بعض من صوت لهشام، صوته ايضا لحزب او جماعة او شخص ينتمي لتيار اسلامي معين، لسبب آخر، فلهشام وقته، ولـ(للحق) وقته!

ولكن اريد ان انبه الى ان الصورة ليست بالسهولة التي تبدو في ظاهرها.

ويبقى لي سؤال لا بد من طرحه، قطفته من ملاحظة مهمة ساقها المثقف اللبناني جورج قرم صاحب كتاب «شرق وغرب ـ الشرخ الاسطوري» في حوار له.

قال، وهو الماروني المسيحي: «كل تراث النهضة العربية تم القضاء عليه. الجيل الشاب لا يعلم عن الاسلام اليوم الاّ من خلال سيد قطب، الذي صنع منه الغرب بطلاً، وتحديداً الكاتب جيل كيبيل في فرنسا. وقد سجلت احتجاجي الشديد عليه، لدى تشبيهه عبد الناصر بفرعون وسيد قطب بالنبي. هذا امر معيب ولا علاقة له بالواقع».

سؤالي: لماذا لا يرى الغرب في صور اسلامنا الا سيد قطب او الخميني او جهيمان وبن لادن؟ لماذا وعبر التركيز على جانب منا، بدعوى قوته المتفردة، يتم اضعاف اسلامنا الاخر... بصورة يقوم بها الغرب نفسه، الغرب الهارب من صورة الاسلام القطبي...! شيء محير فعلا.

على كل حال، فإن الحوار او الاتصال مع «العدوالكافر» من قبل الاخوان المسلمين او الاسلاميين السياسيين ليس بكرا، فقد سبق خدش هذا النقاء..

فالتاريخ يشير الى ان مؤسس الاخوان حسن البنا، في مقابلة مع المستر سبنسر المراسل الحربي الأمريكي نشرتها مجلة «الإخوان المسلمين» أبدى استعداده للتحالف العسكري مع الغرب، وقال «أحب أن يفهم الغربيون إنه إذا اعطيت الحريات لنا بواسطة الدول الغربية فسوف لا نستغني نحن عن الغرب في تقوية كياننا».

ويشير ايضا الى أنه كان على علاقة بالسفارة البريطانية «ان حسن البنا قد لمح خلال الاتصالات مع السفارة ومن خلال عناصر وسيطة أنه على استعداد للتعاون، وانه سيكون سعيداً لو أن مساعدة مالية قدمت إليه».

هل يعني هذا ان البنا كان «عميلا» للانجليز، كما يقول خصوم الاخوان؟ انا لا اقول ذلك، بل اقول انه كان «يلعب» سياسة.

فهل سيصنع احفاد البنا مع ورثة الانجليز، الامريكان، نفس ما صنعه الجد مع المستعمرين؟

في نهاية الامر، جميل ان يكون حوار، وجميل ان يتنفس الجميع، ورائع ان يكف الغرب عن هجاء المسلمين، وحلم ان تكف الحكومات العربية عن الاستئثار بالارض ومن عليها...

ولكن هل اصبح قدر المسلمين والعرب ان يتم دائما الغلط في عنوانهم؟ وهل من اجل ان يكسب الغرب مصالح سياسية آنية له، يدوس في طريقه كل شتلة عقل او حزمة نور تولد على طول هذا الالم الممتد في جسد العالم الاسلامي؟