قبل المعركة

TT

لا ننتظر من قادة الجيوش أن يتمتعوا ببلاغة الامام علي، او شاعرية المتنبي، ولكنهم يتألقون بين الحين والحين بكلمات تخلد على مر العصور لا سيما قبيل معركة حامية تهزهم حمأتها وخطورتها فتصبح كلماتهم من عيون الأدب العسكري. نحن نتذكر من ذلك كلمات طارق بن زياد: «أيها الناس البحر من ورائكم والعدو من أمامكم».

وقبيل معركة الطرف الأغر بين الأسطولين البريطاني والفرنسي، استدعى الاميرال نلسن بحارته على ظهر سفينته «فكتوري» وقال كلمته التي خلدت في اذهان الانجليز: «انجلترا تنتظر من كل رجل ان يقوم بواجبه»، كانت كلمة بسيطة وباردة، ولكنها جسمت النفسية الانجليزية في تناول الامور الجسام، وهذا سر خلودها في اذهانهم.

في الحرب العالمية الثانية، اشتهر شرشل بكلمته عند اندلاع ما سمي بمعركة بريطانيا: «سنقاتل هتلر على البر، سنقاتله على البحر وسنقاتله في الجو. سنقاتله على شواطئنا وفي ودياننا. سنحاربه من قرية الى قرية، ومن بيت الى بيت حتى يكتب الله لنا النصر».

ومن حينها استشهد سائر القواد بكلماته هذه، بمن فيهم عبد الناصر، ولكن ناصر اشتهر ابان العدوان الثلاثي 1956، بكلمة لا تقل بلاغة في بعدها الاسلامي: «لقد فرض علينا القتال، ولكن لن يفرض علينا الاستسلام».

كثيرا ما اعتمدت كلمات القادة على الاستشهاد بالنصوص المقدسة كآيات السيف، وعلى النصوص الأدبية البليغة، ككلمة هنري الخامس في فجر معركة اجنكوت عندما استنهض حماسة جنوده بهذه الكلمات: «هذه معركة ستصبح حكاية يرويها الأخيار لأولادهم. سيتذكروننا نحن الذين خضناها، نحن هذه القلة المحظوظة، هذه العصبة من الاخوان، فمن سيريق دمه معي في هذا اليوم سيكونن اخا لي، من كان غارقا بالاثم، سيبيض صفحته اليوم، وسينظر النائمون الآن في فراشهم في انجلترا فيتحسرون ألما ان لم يكونوا معنا هنا».

وكانت كلمات شكسبير هي التي استشهد بها القائد البريطاني ايان مكفادين في مخاطبة عساكره قبل انطلاقهم نحو المواقع العراقية. ولكنني عجزت عن العثور على اي شيء مما نطق به ضباطنا في حروبهم المتوالية مع اسرائيل فلم أوفق. يظهر أنهم خلدوا للحكمة القديمة: «السكوت أبلغ من الكلام» وما بي من حاجة لأكثر من ذلك.