إيران: انتفاضة «الأحواز» هي البداية والمقبل أعظم!!

TT

ما حدث في عربستان، التي استُبدل اسمها قسراً وأصبح «خوزستان» لا هو مفاجئ ولا يثير الاستغراب، فالمنطقة كانت تغلي من الداخل وتنام فوق برميل من البارود، ثم جاء التدخل الإيراني السافر في الشأن العراقي الداخلي، وهو تدخل استند الى دوافع قومية فارسية، فبادر أهل «الأحواز» العرب الى الانتفاضة الأخيرة التي ما تسرب عنها من معلومات، رغم التعتيم الإعلامي الشديد، يشير الى قتلى تضاربت التقارير حول عددهم والى دمار هائل.

وبداية فإنه لا يمكن تصديق ان رسالة مزعومة منسوبة الى محمد علي الأبطحي، مستشار الرئيس الخاتمي، يقال إنها تضمنت خطة ودعوة لتطهير عرقي ضد عرب هذا الإقليم الذي غالبية سكانه من العرب، هي سبب هذا الذي حصل يوم الجمعة الماضي والواضح ان هذه الرسالة المزعومة لم تكن إلا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير والصاعق الذي فجَّر قنبلة هذه الانتفاضة الدامية الموقوتة.

هناك قضية تاريخية وراء سلخ هذا الإقليم عن العراق وإخراجه من جغرافية الوطن العربي وإلحاقه بإيران بقرار بريطاني وفي إطار صفقة إقليمية وهي قضية تشبه قضية سلخ لواء الإسكندرون عن سورية وإخراجه باتفاق بريطاني ـ فرنسي من جغرافية الوطن العربي وإلحاقه بتركيا في ثلاثينات القرن الماضي.

يبلغ عدد سكان هذا الإقليم الذي كانت «المحمرة» أهم مدنه، حسب التقديرات الرسمية الإيرانية، نحو أربعة ملايين نسمة هم بغالبيتهم من أتباع المذهب الشيعي الإثني عشري الحاكم في إيران وجميعهم ينتمون الى قبائل عربية عريقة، لها امتدادات في العراق وفي معظم دول الخليج العربي وفي الأردن وقد شكلت هذا القبائل إمارات قبل الحرب العالمية الأولى تمتع بعضها بالحكم الذاتي وبصيغة تقترب من صيغة الدولة شبه المستقلة.

ولذلك ولأن كل حـركات التحرر في هذه المنطقة وفي العالم بأسره قد اتخذت، في معظم عقود القرن الماضي، الطابع القومي فقد بقي أهل «الأحواز» العرب يتململون بنـزعة استقلالية قومية ضد نظام اسرة بهلوي الذي حكم بالحديد والنار والذي بقي يستقوي على دول الجـوار وعلى الشعب الإيراني والأقليات القومية في إيران بعلاقاته، التي اتخذت طابع التابع والمتبوع، مع بريطانيا العظمى أولاً ومع الولايات المتحدة التي ورثت في أوقات لاحقة النفوذ البريطاني في الشرق الاوسط ومن ضمنه الدولة الإيرانية.

لقد بقيت الأوضاع في هذا الإقليم متوترة وبقي أهله العرب يشكلون شوكة في خاصرة نظام شاه إيران السابق ولقد كانت مساندتهم لحركة الإمام الخميني مبكرة رغم تغلغل التنظيمات اليسارية ـ الماركسية والقومية العربية في أوساط شبابهم وذلك لسببين هما: الأول وقوع إقليمهم على تخوم العراق والخليج العربي والثاني نظراً لتحول منطقتهم بعد اكتشاف النفط الى منطقة عمالية أصبحت تربة خصبة للحزب الشيوعي الإيراني (توده) ولبعض الخلايا الماركسية ـ الماوية ولحركة فدائيي خلق التي ناهضت حكم إسرة بهلوي بعنف وقوة.

ثم وعندما انتصرت الثورة الإيرانية في فبراير (شباط) عام 1979 ظن العرب «الأحوازيون»، مثلهم مثل غيرهم من الأقليات القومية الإيرانية كالأكراد والأرمن والبلوش والتركمان، ان لحظة الخلاص قد أزفت وأنهم، إن لن يستقلوا بإقليمهم إستقلالاً تاماً ويقرروا مصيرهم بأنفسهم، سيتمتعون بالمساواة مع الإيرانيين من أبناء القومية الفارسية وبحقوق المواطنة بصورة كاملة، ولذلك فإن تأييدهم لهذه الثورة والتحاقهم بها وبأجهزتها العسكرية والسياسية والإدارية كان مميزاً وربماً تجاوز ما فعله الفرس أنفسهم.

وفي هذا السياق ذاته فإن ما بدا مستغرباً بالنسبة للعرب في الأقطار البعيدة ان عرب عربستان أو «الأحواز» او عبادان عندما داهمتهم الحرب العراقية ـ الإيرانية لم يستجيبوا لنداءات نظام صدام حسين ودعواته لهم للالتحاق ببني قومهم ويشكلوا طابوراً خامساً خلف الخطوط الإيرانية، بل ولأن كرههم لهذا النظام كان أضعاف كرههم لبعض تجاوزات الثورة الخمينية التي كانت لا تزال في بداياتها فقد قاتل القادرون على حمل السلاح منهم مع الجيش الإيراني والتحقوا بتشكيلات ووحدات «حراس الثورة».

وهنا فإنه لا بد من إيضاح مسألة هامة وهي أن أهل «الأحواز»، وحتى في أواخر حكم شاه إيران رغم نزعتهم القومية الشديدة فإنهم لم ينجذبوا الى تجربة نظام حزب البعث العراقي وأنهم لم يُبدوا اي رغبة في ان يكونوا جزءاً من العراق وأنهم كانوا يرون ان من حقهم ان تكون لهم دولتهم النفطية الخاصة مثلهم مثل أبناء عمومتهم في الدول العربية الخليخية المجاورة.

ولعل من سوء حظ أبناء «الاحواز» ان منطقتهم تحولت خلال أعوام الحرب العراقية ـ الإيرانية الثمانية الى واحدة من أهم ساحات معارك تلك الحرب المدمرة وهذا أدى الى تشريدهم في كل أرجاء إيران وإجبارهم على النـزوح عن مدنهم وقراهم التي عندما عادوا إليها بعد توقف القتال وجدوها أطلالاً مهدمة بعد ان كانوا قد وجـدوا أنفسهم لاجئين في بلاد اكتشفوا أنهم غرباء فيها وأنها ليست بلادهم وان «لعنة» كـونهم أقلية قومية قد لاحقتهم في جميع الاماكن التي لجأوا إليها خارج عربستان.

لقد كانت سنوات الحرب سنوات ضياع بالنسبة لأبناء «الأحواز»، وذلك على غرار ما كان عليه الوضع بالنسبة للأكراد بالدرجة الأولى وبالنسبة للتركمان والبلوش بالدرجة الثانية، ولعل ما زاد أحوال الاحوازيين سوءاً ان النـزعة الشوفينية القومية الفارسية قد اشتدت وتضاعفت لاحقاً، نظراً لعوامل كثيرة أبرزها انحياز معظم العرب ومعظم الدول العربية الى العراقيين ضد الإيرانيين على مدى سنوات القتال والمواجهة.

وهكذا فقد وجد عرب «الاحواز»، الذين راهنوا كثيراً على الثورة الخمينية وظنوا أنها ستنقذهم من ظلم بقوا يعانون قسوته عقوداً طويلة، أنفسهم في أوضاع سياسية في غاية السوء، ولهذا فإن الواضح ان ما حدث يوم الجمعة الماضي هو البداية فالتدخل الإيراني السافر في العراق خلال العامين الأخيرين فتح عيون الأقليات القومية في إيران على أمور كثيرة ووجود الجيوش الاميركية على التخوم الإيرانية، بالإضافة الى ازدياد حدة الصراع والمواجهة بين تيار المحافظين وتيار الإصلاحيين الإيرانيين سلَّح هذه الأقليات القومية، وفي مقدمتها الأقلية العربية، بجرأة لم تكن متوفرة، ولذلك فإن القادم سيكون أعظم..