المحافظون الجدد في أمريكا... ما هي فلسفتهم وكيف يخططون؟

TT

حرصت على أن ألبي دعوة من المجلس المصري للشؤون الخارجية الأمريكية لاستمع الى محاضرة حول «المحافظين الجدد والسياسة الخارجية الامريكية» لأحد أعضاء معهد AMERICAN ENTERPRISE أحد أعمدة الفكر المحافظ في الولايات المتحدة.

ولا اعرف مدي تمثيله للحكم الحالي في واشنطن خاصة انه ذكر انه ليس مقربا من دولة صنع القرار وانه مثلا رغم تأييده لغزو العراق ليس مقتنعا بان ذلك كان الوسيلة الوحيدة الممكنة والصحيحة لتحقيق أهداف الولايات المتحدة، ومع ذلك فانه بصفة عامة يدافع عن فلسفة وآيديولوجية الإدارة الحالية.

وأعرض هنا للقراء بعض ما ذكره المتحدث الذي وصف نفسه بأنه كاتب وباحث:

* جورج بوش الابن عندما دخل حلبة السباق على رئاسة الجمهورية لم يكن لديه برنامج سوى الرغبة في الوصول إلى الحكم، ولكنه بعد تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11/9 شعر بأنه مكلف برسالة هي القضاء على الإرهاب وقد أظهر في ذلك حزما وتصميما جعلاه يتبع سياسات قد لا تكون شعبية داخليا وخارجيا في حالات كثيرة ولكنها تنطلق من اقتناع حقيقي وعميق بالهدف.

* يرجع الباحث ذلك إلى الصدمة التي سببها الهجوم الإرهابي ليس في طبيعته ولكن في حجمه غير المسبوق. فقد تعرضت الولايات المتحدة قبل ذلك لهجمات إرهابية في أماكن كثيرة، ولكن ردود فعلها كانت في الأغلب سلبية مما أدى إلى أن يوجه أصدقاء الولايات المتحدة لها اللوم بسبب إمعانها في تلك السلبية، ومنها مصر التي كانت تشكو من إيواء عمر عبد الرحمن في أمريكا رغم اتهامه في مصر بتدبير عمليات إرهابية. أما في هذه المرة فلقد كانت صدمة الهجوم قوية ولذلك تجاوز رد الفعل موضوع تنظيم القاعدة ذاته إلى وضع استراتيجية واسعة النطاق تتضمن التعرض لمسببات وجذور الإرهاب، وبذلك اختلفت نظرية الرئيس الأمريكي عن نظريات أسلافه بمن فيهم جورج بوش الأب، فلقد كان هؤلاء كما كان الكثيرون غيرهم ومنهم كوفي أنان سكرتير عام الأمم المتحدة وبعض الصحف الأمريكية بما فيها النيويورك تايمز يرجعون العنف الإرهابي إلى الفقر وينادون بالتالي بمواجهة الإرهاب عن طريق التنمية ومحاربة الفقر.

* لم يقتنع الرئيس بوش بذلك، إذ رأى أن الفقر مجرد عذر أو شعار لان غالبية الإرهابيين لم يكونوا ينتمون إلى الطبقات الدنيا، بل إلى الطبقات المتوسطة، كما أن بن لادن ينتمي إلى أسرة بالغة الثراء. وشأن الإرهاب في هذا الشأن كشأن الشيوعية التي لم يكن زعماؤها ينتمون إلى الطبقات الأفقر بل كانوا أيضا ينتمون إلى الطبقة المتوسطة.

* وخلص بوش إلى الربط بين الإرهاب النابع من الشرق الأوسط والثقافة السياسية التي تبتعد عن مبادئ الحرية والديمقراطية، والتي تؤدي إلى حل المشاكل السياسية عن طريق العنف أو التهديد به، وبالتالي فقد أصبحت المنطقة أرضا خصبة لظهور الإرهاب، وذهب الشباب العربي إلى أفغانستان لمحاربة الاحتلال السوفيتي بالعنف والقوة. وعلق المحاضر بأنه لا يعرف إذا كانت هذه النظرية صحيحة أم لا، ولكن يبدو أن اعتناق بوش لها هو الذي أوجد نقطة لقاء بينه وبين المفكرين والمحافظين الجدد مما أدى إلى انتشار فكرة انه اصبح فريسة لهذا التيار الفكري والسياسي.

* ان السياسات التي بنيت على هذا الفكر وعلى الاقتناع بضرورة تغيير المناخ السياسي في دول المنطقة كانت مثيرة للجدل بالنسبة لأسلوب تنفيذها، كما كانت غير شعبية في الشرق الأوسط، وينطبق هذا على غزو العراق، وهو أمر ربما لم يكن افضل الوسائل أو أصلحها، ولكن المحاضر أيده لأنه مقتنع بضرورة مواجهة الخطر. ولعله كان من الأفضل اختيار لبنان لتحقيق التغيير باتباع أسلوب اقل عنفا وأكثر سهولة لخروج السوريين وإعادة الديمقراطية إلى لبنان.

* إنه ـ مع ذلك ـ يتفهم منطق التدخل العسكري في العراق ليس فقط بسبب انعدام الديمقراطية، فهي منعدمة في أقطار ومناطق أخرى ولكن نظام صدام كان الأكثر انغلاقا وعنفا في مواجهة المعارضة، أما في الدول الأخرى فتوجد معارضة يمكن مساعدتها وتشجيعها على إحداث التغيير الذي يتطلب دعما من الخارج. ولم يكن هذا متاحا بالنسبة للعراق.

* ذكر المحاضر انه عندما يقرأ الانتقادات التي توجه لواشنطن بسبب غزو العراق الذي يعزوه المنتقدون إلى الرغبة في السيطرة على النفط يجد هذه الاتهامات «جنونية» لأنه من غير المنطقي أن ترسل الولايات المتحدة أبناءها ليقاتلوا من اجل بترول تستطيع الحصول عليه بشرائه حتى من النظام العراقي الذي كان دائما مستعدا لبيعه للشركات الأمريكية. ولو كانت واشنطن تطمع في بترول غيرها لذهبت إلى فنزويلا وليس العراق، ولاستغلت حالة الفوضى هناك لإرسال بعض رجال مخابرات للقيام بعمليات استفزاز تبرر غزوا لم يكن سيواجه مقاومة مثل ما تواجهه في العراق ولما كانت فقدت اكثر من 1500 من جنودها.

* ان السبب الحقيقي لغزو العراق مرتبط بالاستراتيجية الأمريكية الشاملة الرامية إلى تغيير الأوضاع السائدة ومواجهة الخطر الداهم الذي يمثله نظام صدام حيث اعتقدت وكالة المخابرات المركزية أنه يمتلك أسلحة دمار شامل وهو خطأ شاركها فيه كثيرون.

* إن البعض من المنتقدين لغزو العراق يتصورون أن انتصار الولايات المتحدة يأتي على حساب الشعب العراقي لاقتناعهم بنظرية «النتيجة الصفرية» ولكن الواقع ليس كذلك فأحيانا تتحرك الدول لتحقيق مصالحها، فتتحقق في نفس الوقت مصالح للآخرين، مثل تزعم الولايات المتحدة إنشاء الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية فقد كان هدفها تثبيت أركان السلام الذي يعود عليها بالمنفعة وهو في نفس الوقت محقق لمصلحة الآخرين لان تغيير المناخ يعم خيره الجميع، وهو ما ينطبق على غزو العراق. وإذا أصبحت الديمقراطية هي القاعدة، فان الولايات المتحدة ستكون اكثر أمنا ولكن ليس على حساب الآخرين بل لمصلحة الجميع.

* إذا كانت حرب العراق اصعب مما كان متصورا، فان «فورانا» ديمقراطيا قد تمخض عنها. وأضاف المحاضر انه لا يتصور أن الولايات المتحدة سوف تلجأ إلى استخدام القوة بنفس الأسلوب مرة أخرى لان صدام كان حالة خاصة هدد جيرانه وغزاهم، ورفض الامتثال لقرارات الأمم المتحدة ونزع سلاحه ولكن من غير المستبعد أن تستخدم واشنطن القوة بشكل آخر مثل ضرب المنشآت النووية في إيران ولكن ذلك ليس مرتبطا بموضوع الديمقراطية، فلن يتكرر ما حدث في العراق، ولن تلجأ الولايات المتحدة إلى الغزو أو استخدام القوة لتحقيق الديمقراطية.

هذا ملخص لما طرحه الباحث الأمريكي وفيه الكثير مما يستحق التوقف عنده والتعليق عليه حتى إذا كان المحاضر قد ذكر اكثر من مرة انه لا يمثل الحكومة الأمريكية وانه كان ينتمي إلى الفكر المحافظ الذي تعتنقه الإدارة.

وقد أثار الحاضرون عددا من النقاط أحاول أن اطرحها فيما يلي مضيفا إليها بعض ملاحظات شخصية:

* إن أحدا في منطقتنا لم يرجع عمليات العنف أساسا إلى الفقر، بل إننا ـ وعلى مستويات مختلفة ـ حذرنا من هذا التصور القاصر. ولكننا في نفس الوقت حذرنا من تصور أن الإرهاب نتاج ثقافة معينة أو دين معين وهي نظرية ابتدعها البعض في الغرب إما جهلا بطبيعة الإسلام وجوهره وبحضارة دول المنطقة التي ساهمت في وضع أساسيات النهضة التي نعمت بها أوروبا في عصر ازدهارها، واما عن سوء نية لتأليب الرأي العام على الدول الإسلامية والعربية لتحقيق أهداف خبيثة تتكشف عندما يتحدث البعض عن الحضارة اليهودية ـ المسيحية في محاولات لتعزيز التحالف مع إسرائيل وتسهيل اغتصابها لحقوق شعوب المنطقة والقبول به.

* وفي هذا الصدد فان أي متابع للنشاطات الإرهابية أو لمظاهر العنف في العالم يجد أنها لا تقتصر على منطقة أو ثقافة أو دين معين وأمامنا ايرلندا وإيطاليا وألمانيا في القرن الماضي، وقبل ذلك حركات الفوضويين وغيرها والكثير من تلك الحركات العنيفة كان منبعها الشعور بالظلم وهذا هو نفس الشعور الذي تنبعث منه أساسا أعمال العنف في منطقتنا التي عانت من الاستعمار ومن الاستعمار الجديد، ومن التدخل في شؤونها كما إنها لقيت تحريضا ومساندة من الغرب عندما كان الهدف محاربة السوفييت في أفغانستان وهي تواجه حاليا مأساة الاحتلال الإسرائيلي وما يعانيه على يديه الشعب الفلسطيني من اضطهاد واهدار للحياة والكرامة، وما تلقاه المواقف الإسرائيلية من تأييد غير مبرر لا قانونيا ولا منطقيا من جانب قوى دولية تدعي أنها تحمل لواء الحرية والعدل.

* ان المحافظين الجدد في حماسهم لنشر نموذجهم للديمقراطية ليس لديهم مانع من اللجوء إلى استخدام القوة سواء بالغزو أو بالقصف أو بتدبير الانقلابات كما توضح إشارة المحاضر إلى العراق وإيران وفنزويلا بدون الالتزام بالشرعية الدولية التي تمثلها الأمم المتحدة ولكن تجربة العراق المريرة التي مازالت مستمرة قد تخفف من حماسهم لتلك المغامرات ولعلها تقنع الإدارة بان تجد أسلوبا افضل لحماية أمنها عن طريق تعديل سياساتها إلى سياسات اكثر توازنا واكثر انحيازا للحق والعدل بدلا من الانحياز لأوهام أو هواجس أو كوابيس تنبع من عصور الظلام وينطبق عليها قول «اللي يخاف من العفريت يطلع له».

* وفي نفس الوقت إذا كانت الولايات المتحدة تتصور أن عليها رسالة هي نشر الديمقراطية، فان شعوب المنطقة التي خطت خطوات نحو بناء الديمقراطية وتطبيق مبادئها الأساسية ترحب بان يقدم لها الأصدقاء ما قد تحتاجه من مساعدة في هذا الشأن في المجالات التي تحددها هي وفق النموذج الذي تختاره مادام متفقا مع المبادئ العامة التي لا خلاف عليها وان كان التطبيق يجب أن يأخذ في الاعتبار كل العوامل التاريخية والجغرافية والاجتماعية وغيرها ما دامت لا تتناقض مع الجوهر.

وللحديث والتعليقات بقية...

* وزير خارجية مصر السابق