صراع العمالقة في آسيا

TT

حملات العنف الشفوية التي تشنها الصين على اليابان ليست نابعة من الماضي بل من المستقبل. فالشكاوى حول جرائم الحرب وكتب التاريخ ليست بالجديدة. ولذا فإن القوة الدافعة لهذا النزاع الخطر تنبع من الصراعات السياسية في آسيا.

ان مشاعر الغضب التي تبدو على الدولتين، وهما تطالبان باعتذارات، تعلم كل منهما ان الآخر لن يتقدم بها، هي تعبير واضح حول اعادة توازن القوى عبر آسيا والذي يتبلور الآن مع تصاعد نجم الصين، ورد فعل الصين ودهاء الهند في الاستفادة من صدام العملاقين الآسيويين.

لقد اصبح المستقبل واقعا. فهمهمات السياسيين من ان رئاسة بوش اهملت التحدي الاستراتيجي العظيم في المستقبل ـ علاقات القوى في آسيا ـ جسده التنافس الثلاثي لتحقيق النفوذ العالمي والسيطرة على الموارد. وعدم تجاهل ما يحدث في آسيا يجب ان يكون كلمة السر لولاية بوش الثانية.

ولم يعد كافيا على واشنطن التي تهتم اهتماما بسيطا بما يحدث ان تؤيد اليابان دائما، وتضغط على الصين، في ان يجعلها ذلك اكثر مسؤولية،

ولا يكفي مجرد التأييد الشفوي لـ«الشراكة الاستراتيجية» مع الهند.

يجب ان تقرر الادارة الاميركية الآن ما اذا كانت مصالحها ستتمتع بأفضل حماية عن طريق محاولة الحفاظ على التوازن الحالي للقوى في منطقة المحيط الهادئ الآسيوية، او عن طريق التدخل لتغيير ميزان القوى.

وهذا الاختيار مطلوب بسرعة بسبب الابتزاز النووي المتجدد لكوريا الشمالية وتأثيره على الاستقرار في اليابان وكوريا الجنوبية. وسيعيد الحليفان الاميركيان النظر في التزامهما بعدم الحصول على اسلحة نووية. ان وضوح وحزم ومدى ضمانات واشنطن الأمنية لهما ستكون من بين العناصر الحاسمة في اعادة تقييم الوضع.

ومن الخطأ اعتبار الاضطرابات السياسية في اسيا مجرد حالة تجدد للمشاعر القومية في منطقة لم يختف منها بعد شبح الحرب العالمية الثانية، كما حدث في اوروبا. وهو ما يمكن القول انها الطريقة التي شكلت بها الصين قضيتها في تحريك الاحتجاجات الشعبية كرفضها لمحاولة اليابان الحصول على مقعد دائم في مجلس الامن. ومن هنا خرجت الجماهير في بكين مطالبة بحرمان اليابان من هذا المقعد لأن طوكيو لم تكفر عن وحشيتها في الماضي.

ويناسب هذا المواقف الصين كنجم صاعد وقوة عسكرية ذات تطلعات للحلول محل الولايات المتحدة باعتبارها القوى الاقليمية في المحيط الهادي. وتضيف الصين نفوذا ماليا الى وضعها الحالي كمركز صناعي عالمي، وقوة نووية وعضو في مجلس الامن يملك حق الفيتو. ولا يمكن لليابان ان تقف لا مبالية امام طموحات الصين. وقد رد جونيتشيرو كويزومي، رئيس وزراء اليابان، والرجل القوي، على ذلك بالاقتراب اكثر من موقف واشنطن في القضايا الامنية ـ فعلى سبيل المثال بعث بقوة حفظ سلام للمساعدة في العراق ـ وسعى لتحقيق المزيد من المسؤولية العالمية لليابان في الامم المتحدة وفي اماكن اخرى. ويسعى ايضا لتحويل طوكيو التي كانت لها دائما تطلعات ذاتية الى لاعب عالمي في السياسة العالمية كما في الاقتصاد.

وتثير بكين دائما جدلا بخصوص جرائم الحرب والتاريخ، ليس فقط لوضع اليابان في موقف دفاعي، ولكن ايضا لإخفاء تصميمها على ان تبقى العضو الآسيوي الوحيد في مجلس الامن.

والهند هي القوى المترصدة في هذا الصراع الاقليمي على السلطة. فقد طبقت حكومة حزب المؤتمر الهندي التي انتخبت مؤخرا نسختها من المثلث الاستراتيجي بمهارة كيسينجرية، بتحسين علاقاتها مع الصين واليابان والولايات المتحدة في ذات الوقت، وبالتالي فرض مزيد من الضغط على موقع باكستان التصالحي. اقول: انتبهوا الى مزيد من التطورات على هذه الجبهة..!

والسؤال الملح الآن يتعلق بالعواقب الاستراتيجية لقرار الصين بعرقلة طلب طوكيو بتطوير مجلس الأمن عن طريق التشكيك في ادانة اليابان للعسكرية والعدوان بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ببساطة اسوأ تكتيك يمكن للصين اختياره. ان التزام اليابان بـ«دستورها السلمي» وتعهدها في تلك الوثيقة بعدم السعي ابدا لامتلاك اسلحة نووية، حققا لها مزيدا من السلطة والمصداقية ليس من السهل على شعبها، الذي يؤمن بالإجماع، التنازل عنها. ولكن تهديد كوريا الشمالية وهجمات الصين على سمعتها يمكن ان تؤديا الى اثارة غريزة البقاء لدى اليابانيين.

وتتحرك الصين نحو أسوأ كابوس يمكن ان تتعرض له. ويجب على فريق بوش في مجال السياسة الخارجية، والذي يفتقر الى خبرة في الشؤون الآسيوية، التحرك بسرعة لطمأنة اليابانيين، وتحذير الصين وتجنيد الهند، وهي تحاول منع الاضطرابات السياسية الآسيوية من الانفلات.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست»