«إرث اللعنة»: سرحان وكينيدي

TT

كانت صورة اوناسيس في العالم مثل صور كبار النجوم. ترافقه الكاميرات وتسبقه الاشاعات وتحلم برفقته سيدات المخمل في باريس واثينا وواشنطن. اما هو فبعد المال احب الشهرة. وفي البداية صادق اشهر مغنية اوبرا في القرن، ماريا كالاس. ثم اقام صداقة مع جون كينيدي وجاكي. ويقال ان علاقته بامرأة البيت الابيض بدأت قبل اغتيال زوجها وليس بعده. وعندما اراد الزواج منها بعد الاغتيال وقف في وجهه روبرت كينيدي. واسمعه كلمات مهينة. وبعد فترة اغتيل روبرت كينيدي على يد سرحان سرحان، الذي ادعى انه فعل ذلك بسبب انحياز روبرت كينيدي لاسرائيل.

لكن مؤلفا اميركيا امضى عشرين عاما في وضع سيرة أوناسيس يقول ان الثري اليوناني الملعون هو الذي عقد الصفقة لاغتيال روبرت كينيدي انتقاما من الاهانة التي تعرض لها. ويسمي الكتاب بعض العرب الذين كانوا على صداقة مع اوناسيس في باريس. والغريب ان احدا لم يتحرك لمقاضاة الناشر او المؤلف.

ويصور الكتاب جاكلين كينيدي على انها امرأة خالية الكرامة كانت تعامل نفسها في بيت اوناسيس مثل سلعة تجارية. لقد اعطته اسمها وشهرتها. لكنها لم تكن تأتي لزيارته الا لكي تقبض مبلغا آخر من المال. وعندما جاءت الى جزيرة «سكوربيو» لجمع حوائجها الشخصية اخذت معها المنافض وكل ما وقعت يداها عليه.

نحن هنا امام اوناسيس يهدّه المرض والذل ويشعر بكره شديد للمرأة التي كانت ذات مرة سيدة اميركا الاولى. لكنه يجد نفسه محاصرا بين اخلاق جاكي الصغيرة، وبين ثقل الهرم والمرض والشيخوخة وتنتقل اللعنة الى ابنته الوحيدة كريستينا التي تسلم نفسها للاكتئاب والمرض، ثم تموت عشيقته السابقة ماريا كالاس وهي في اوج عملها الفني كأعظم مغنية اوبرا في القرن العشرين. ولا يبقى من العائلة بعد وفاة كريستينا، وهي في السابعة والثلاثين من العمر، سوى ابنتها من رجل فرنسي يدعى روسيل. وحاول روسيل ان يضع يده على ثروة اوناسيس، لكن ابنته تقاضيه الآن. والحكومة اليونانية تحاول استعادة كل شيء الى ارضه الأم. وشبح اللعنة يحوّم فوق العائلتين. فبعد وفاة ماريا كالاس ماتت جاكلين كينيدي تحت وطأة مرض مرعب. ثم قتل ابنها الوحيد وزوجته، وفي احد سجون كاليفورنيا يقبع سرحان سرحان ليمضي الحكم بالسجن المؤبد. وعبثا يطلب العفو. وعبثا يكتب الى السناتور ادوارد كينيدي والى زوجته اللبنانية الاصل طالبا الصفح. فهل سبب ذلك ان ادوارد كينيدي كان يعرف السبب الحقيقي وراء الاغتيال؟ وهل كان يعرف ان سرحان لم يكن سوى وسيلة اقنع بأن قتل روبرت كينيدي عمل وطني ضد اسرائيل؟

نتعرف في سيرة اوناسيس الى اشياء مفزعة. الى رجل صغير ومتآمر ولا يقيم وزنا لأي خلق. ونتعرف الى جاكلين كينيدي بخيلة ومادية ولا يتوقف طمعها الكبير امام أي عمل او أي صغارة. وكلما قرأ المرء في سيرة الكبار وفي اعمالهم وفي مدى ما يمكن ان يصلوا اليه شعر بالذهول. وغالبا ما يقرر عدم المضي في القراءة. انه عالم مبالغ في الصغارة.