عروبة لبنان.. تمر ببيروت أولا

TT

لفتني كأحد قراء تحليلات رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق، سليم الحص، أن يعتبر، في مقالة نشرها في صحيفة «السفير» اللبنانية (22/04/05) أن «عروبة لبنان في خطر» لا لشيء إلا لان «طريق العروبة في لبنان انما تمر بدمشق»... وأن يؤكد، في الوقت نفسه، قناعته باتفاق الطائف الذي يعتبر لبنان وطناً «عربي الهوية والانتماء» ووطناً نهائياً لكل ابنائه.

إذا كان اتفاق الطائف سقف ثوابت الرئيس الحص الوطنية، فلماذا يستكثر على لبنان عروبته الخالصة ـ كي لا نقول المستقلة عن عواصم الجوار وبالتالي عن سياسات انظمتها المتغيرة عادة بتغيّر مصالحها القطرية وليس بالضرورة القومية ؟

واستطرادا لماذا يعتبر الرئيس الحص أن «عمق» العروبة في لبنان كان مستهدفا «عبر ضرب واجهته سورية» ـ مفترضا ان عروبة لبنان «سطحية» ؟ فيما يعترف أن «الواجهة» السورية كانت مقصرة على أكثر من صعيد بينها:«عدم اتمام عملية إعادة الانتشار الى منطقة البقاع ومن ثم الانسحاب من لبنان»، و«عدم التجاوب مع الدعوات لكف يد جهاز استخباراتها في لبنان عن التدخل في شؤون لا تعنيه» و«فرض التمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية... وتعاطيها الخاطئ مع القرار 1559، وأخيرا، لا آخرا، تخبطها الرهيب في التصرف حيال الجريمة النكراء التي أودت بحياة الرئيس رفيق الحريري». ألا تكفي هذه اللائحة الوافرة من مآخذ الرئيس الحص نفسه على تصرف «الواجهة السورية» في لبنان لإقناع اللبنانيين بأن «عروبة التبعية»، لا عمق العروبة الخالصة، هي التي كانت مستهدفة عبر «ضرب الواجهة السورية» علما بانها لم تستهدف إلا بعد أن كادت تحمل اللبنانيين وزر أخطائها ؟

أما آن لعروبة لبنان أن تشب عن الطوق لتمر بطريق بيروت أولا... ولبنان دولة مؤسسة لجامعة الدول العربية ودولة أعطت أكثر من طاقتها في مواقفها القومية من القضية العربية الأم، أي القضية الفلسطينية ـ ولا تزال؟

وعليه لماذا يعتبر الرئيس الحص أن استشهاد الرئيس رفيق الحريري أفرز «ارتدادات في منتهى السلبية على قواعد تاريخية للعروبة في نسيج المجتمع اللبناني» فيما كانت الحصيلة المباشرة لاستشهاده ذلك الالتفاف الوطني الفوري على «عروبة» لبنان عبر اعتراف كل أطياف المعارضة اللبنانية، بما فيها تيار العماد ميشال عون، باتفاق الطائف إطارا لثوابتها الوطنية؟

خلافا لما يتخوف منه الرئيس الحص، العروبة في لبنان ليست في خطر. هي فقط في مرحلة إعادة تأهيل ذاتيتها وتأكيد أحقيتها في التعبير الحر عن قرارها على خلفية التزام لبنان بميثاق الجامعة العربية واتفاق الطائف ومقررات القمم العربية.

لا جدال في الدور العربي لسورية الحديثة منذ أن تعمد هذا الدور بالدم في معركة ميسلون عام 1920. ولا جدال في ان المد العروبي في لبنان يكون في احسن حالاته عندما يكون التوجه القومي في سورية ناشطا.

وإذا سلمنا باستنتاج الرئيس الحص بأن الشريحة الحاكمة في لبنان وسورية تلام على النكسة الاخيرة في علاقات البلدين، وبان الحاجة باتت ملحة لتصحيح هذه العلاقة، فإن المسؤولية الاكبر في عملية التصحيح تقع على دمشق ولو لتعويض ذكره الرئيس الحص نفسه من أن «سورية تراجعت أخيرا في الموقف القومي الذي كان يستنفر الرأي العام اللبناني وذلك بالتباس الموقف السوري حيال قضايا العرب ولا سيما في فلسطين والعراق، وباعلان سورية استعدادها استئناف محادثات السلام مع العدو الصهيوني من دون شروط وكان يجب ان تكون ابسط الشروط تلازم المسارات الفلسطينية ـ السورية ـ اللبنانية» .

وإذا كنا نتفق مع الرئيس الحص بان المطلوب من سورية الآن «مبادرة، لا بل مبادرات» فهذه المبادرة لا يجب ان تقتصر على اعادة الاعتبار لعروبة لبنان فحسب ... بل عروبة سورية ايضا.