..وحتى لا تتكرر في العراق «الأخطاء» السورية في لبنان

TT

للمرة العاشرة، ربما، تنفي دمشق بيانات ومعلومات عراقية عن صلة سورية ما بأعمال العنف والارهاب الجارية في العراق او عن حوادث على الحدود المشتركة.

وفي كل مرة يكون النفي السوري مصحوبا بعلامات الغضب والانزعاج وبالقول ان هذه البيانات والمعلومات العراقية «عارية عن الصحة تماما ولا اساس لها» و«مزاعم واتهامات» تهدف الى «الاساءة للعلاقات السورية ـ العراقية وتخريبها»، وبالدعوة الى «وضع حد لهذه المزاعم والاتهامات حرصا على مصالح البلدين العربيين الشقيقين».

الى وقت قريب، ولأمد طويل، ظلت دمشق تردد كلاما مشابها وتظهر انزعاجا مماثلا كلما تحدث لبناني ـ او غير لبناني ـ عن تجاوزات وانتهاكات للاجهزة والقوات السورية داخل لبنان وعن تدخلات سورية في شؤون لبنانية داخلية. والآن ـ بعد فوات الاوان ـ فإن بعض المسؤولين السوريين لا يترددون عن الاقرار بوقوع اخطاء.

اعرف جيدا ان البيانات والمعلومات العراقية عن صلة سورية ما ببعض اعمال العنف والارهاب هي صحيحة وليست تلفيقا. واعرف تماما ايضا ان لا احد، تقريبا، من الطبقة السياسية الجديدة في العراق يريد ان يسيء الى سورية وان تكون العلاقة بين بغداد ودمشق في العهد الجديد شبيهة بعلاقتهما في عهد صدام البائد. فالاثنتان، هذه الطبقة السياسية ودمشق، كانتا من اكبر ضحايا ذلك العهد، و«المصائب تجمعن المصيبينا» وبالفعل فقد اجتمع كثير من العراقيين من ضحايا نظام صدام، بمن فيهم العديد من افراد الطبقة السياسية الجديدة في العراق، في الشام ولاذوا بها واقاموا علاقات حميمة مع اهلها وروابط طيبة مع مسؤولين فيها، وهو ما كان يمكن ـ بل ينبغي ـ لدمشق ان تجعل منه رصيدا ثريا لعلاقة وثيقة للغاية مع بغداد في عهدها الجديد.

والطبقة السياسية الجديدة في العراق، كما الشعب العراقي بأسره، لها مصلحة كبيرة ومباشرة في اقامة افضل العلاقات بين العراق وسورية، لانها تدرك ان دمشق تستطيع، اذا ما ارادت، ان تساهم في التعجيل بتحقيق الامن والاستقرار اللذين سيحلان في العراق في نهاية المطاف وان طال الزمن.

المشكلة ان بعض الاجهزة السورية نظرت الى الوضع الجديد في العراق من زاوية ضيقة جدا، بحجم خرم ابرة صغيرة، هي زاوية الوجود الاميركي الذي لم يكن الشعب العراقي ولا طبقته السياسية الجديدة مسؤولين عنه او متسببين او راغبين فيه. فالمسؤولية عن هذا الاحتلال والحرب التي رافقته يتحملها بالكامل صدام شخصيا ونظامه، عدو دمشق اللدود لحقبة طويلة.

لم تسع هذه الاجهزة الى ادراك ان الاحتلال محدود الامد مهما طال، تماما مثلما لم يدم نظام صدام، وان البقاء للعراق والشعب العراقي، ونتيجة هذا كله خسارة معنوية ومادية كبيرة لسورية.

المعنوية تتمثل في مشاعر المرارة وخيبة الامل التي تملأ نفوس العراقيين بسبب الموقف الذي اتخذته هذه الاجهزة تجاه العهد العراقي الجديد، وهو موقف اقل ما يوصف به انه غير ودي، فيما كان العراقيون يرغبون بقوة في ان تقف دمشق الى جانبهم في محنتهم الحالية مثلما فعلت اثناء محنتهم مع طغيان صدام حسين، وان تترك المهمة غير الحميدة للشوشرة على العهد العراقي الجديد الى عواصم اخرى لها اجنداتها الخاصة المعلومة بشأن العراق كطهران وانقرة.

اما الخسارة المادية فتتمثل في ان سورية هي الاقل، بين جيران العراق، استفادة من ازدهار التجارة مع العراق خلال السنتين المنصرمتين.

لا يفيد سورية، كما لا يفيد العراق، هذا النفي المتكرر للبيانات والمعلومات العراقية المدعمة بالوثائق والشهادات والاعترافات الحية، مثلما لم يفد دمشق في شيء سابقا نفي وقوع تجاوزات وانتهاكات وتدخلات (او اخطاء بالتعبير السوري) في لبنان، ففي مصلحة سورية، كما في مصلحة العراق، الا تتكرر في العراق «اخطاء» الاجهزة السورية في لبنان.