دولة الإمامة الإباضية (1 ـ 2)

TT

اكتب من مسقط، عاصمة سلطنة عمان، حيث اعلنت الاحكام القضائية بحق المتهمين بتشكيل تنظيم متطرف اباضي والتهديد باسقاط النظام. كنت بحاجة الى فهم ما يحدث فقد كانت وكالات الأنباء تنقل اخبار هذا التنظيم الاباضي المتطرف، وقد دخلت في نقاشات عديدة هدفها فهم هذه المسألة، وكانت المسألة بالنسبة لمتخصص مثلي اقرب الى الخيال. انها تشبه مزحة ثقيلة. كيف يجتمع العنف والاباضية، وهو مذهب اسلامي كان أحد اسباب نشأته وتكونه هو رفض الانصياع للعنف. وعندما وجد انصار هذا المذهب انفسهم بين أمرين أحلاهما مر، إما الدخول في دوامة العنف او الرحيل، اختاروا الرحيل. لقد حملت الأمهات اطفالهن فوق صدورهن وحدثت الهجرة الكبرى التي بدأت في البصرة وانتهت على سفوح الجبل الأخضر في عمان، وعلى سفوح الأوراس في الجزائر. وتساءلت. نعم هناك ثقافة عنف اباضية مثل كل المذاهب والأديان ولكنها ثقافة دفاع عن النفس، وثقافة دفع الأذى عن الجماعة ولكنها لم تكن يوما ثقافة الاقتتال الداخلي.

كانت المسألة المحيرة الأخرى ان هذا التنظيم الذي كان يستهدف العنف اضاع العنوان او يبدو انه كذلك، فسلطنة عمان هي مجتمع جرب العنف ومارسه لسنوات طويلة، جربه ضد المستعمر، ثم جربه بعد ذلك، وكانت اللحظة التي بدأت فيها عمان الجديدة تلتقي بالتنمية ودخول العصر، هي اللحظة التي اقتنع فيها الجميع بان العنف لا يمكن ان يكون حلا، وان اكذوبة ان الحضارة تبدأ من فوهة البندقية لم تعد تنطلي على احد، انها لحظة مصالحة وطنية نادرة، في بلد اذكر جيدا ان اهله لم يعرفوا المدرسة ولا المستشفى حتى بداية السبعينات من القرن الماضي.

مسألة محيرة أخرى. وهي ان فكرة اقامة دولة الامامة الاباضية في بلد مثل سلطنة عمان، هي دليل على قراءة شاذة للتاريخ، وفهم خاطئ للجغرافيا. فالسلطنة بلد المسجد الواحد. الناس كلها تصلي في مسجد واحد رغم مكونات المجتمع الثلاثة السنة، الشيعة، والاباضية. وخريطة البلد البشرية جنوبٌ سني ووسطٌ اباضي، وعاصمةٌ مع شريط الباطنة الممتد الى دولة الامارات، خليط من المذاهب الثلاثة. والذي يحاول او يفكر بشكل طائفي في سلطنة عمان هو بالتأكيد صاحب مشروع عدمي انتحاري. وللحديث بقية.