جميل وأسمر

TT

قالوا الطاووس يفرد ريشه الملون عند اللزوم، والمرأة تخرج من خزانة ثيابها فستانها الأسود عند اللزوم ايضا. من اودري هيبورن الي نيكول كيدمان ما من امرأة مهما كان عمرها او موقعها على الخارطة الاجتماعية إلا وتقتني فستانا أسود. انها قصة غرام متصل كشفت عنها دراسة إحصائية أجريت في بريطانيا مؤخرا وتبين من نتائجها ان النساء في هذا البلد ينفقن أكثر من عشرة مليارات جنيه سنويا على الثياب والإكسسوارات السوداء. نساء في السابعة عشرة وأخريات في السبعين يعتقدن ان الاسود هو لون الأناقة السحري.

القصة بدأت منذ اكثر من 80 عاما حين ابتكرت كوكو شانيل الفستان الأسود عام 1926، فستانا عمليا ومريحا وكلاسيكيا. وانتشرت الفكرة انتشار النار في الهشيم وما زالت مشتعلة حتى يومنا هذا. وأصبح الفستان الأسود في قاموس الموضة هو السيارة «فورد» في قاموس السيارات. فكما كانت «فورد» هي الاولى في السيارات كان الفستان الأسود البسيط ذا الخطوط المستقيمة هو الأول من نوعه في عالم الموضة المثقل بالتفاصيل والإضافات المبهرة.

في منتصف القرن الماضي سماه كريستيان ديور اهم قطعة في خزانة اية امرأة. وفي عام 1961 أكد المقولة ذاتها المصمم جيفنشي حين ابتكر الموديل الأسود الذي ارتدته هيبورن في فيلم «الإفطار عند تيفاني»، فأصبح ماركة مسجلة لأناقة هيبورن وغيرها من النساء من بالوما بيكاسو الى بريت اكلاند في السبعينات وجيري هول في الثمانينات والأميرة ديانا في التسعينات.

المرأة في المتوسط تمتلك زوجين من الأحذية السوداء، فستانا أسود، تنورة سوداء، أربع بلوزات، حقيبة يد، سروالين، معطفا وعدة قطع من الإكسسوارات.. كلها سوداء. الافتراض ليس لي ولكنه نتاج دراسة تسويقية إحصائية.

لم يخطر على بالي ان انظر داخل خزانة ملابسي لكي أحسب كم قطعة سوداء أثقلت على حسابي البنكي هذا العام والعام الذي سبقه. فأنا مقتنعة تماما بأنني امرأة عادية ذات ميول وقدرة عادية على الإنفاق ايضا. كما انني تذكرت آخر زياراتي الى محلات الاكسسوار في بيروت وعدة اكياس تحتوي على قلادتين سوداوين وعدة اقراط ووردتين من الحرير سوداوين ايضا. ثم عدت بذاكرتي ثلاثين عاما الى الوراء فتذكرته.. ثوبي الطويل الأسود. فابتسمت. كنت اذا ارتديته لفت الانظار ببساطته والتفاصيل التي ميزته عن فساتين الأخريات ومنها حزام مجدول ثلاثي الألوان. تذكرت كم مرة جاءتني صديقات علي استحياء لكي يطلبنه كقرض حسن لارتدائه في مناسبات مختلفة. تذكرت انني احتفظت به في خزانة ثيابي طويلا حتى بعد ان ذهب قوام غصن البان الى غير رجعة الى ان كبرت ابنتي، وقالت لي يوما: هل تعطيني فستانك الأسود؟ فقلت نعم بلا تردد. وبذلك، فارقني فستاني ولكنه لم يفارقني بعيدا لأنه انتقل من خزانتي الى خزانة ابنتي.

اذا كنت مثلي مقتنعة بأن للطاووس ريشا ملونا، وللسمكة زعانف وللسيارة محركا، فأنت مقتنعة ايضا بأن المرأة ترتدي ثوبا أسود على الأقل مرة واحدة في حياتها لتشعر بأنها حقا أنيقة.