للمسؤولين في المحروسة: لا تصنعوا من المتشعوذين أبطالا

TT

تكررت انباء اعتقال ناشطي جماعة الأخوان المسلمين، التي يخطئ بعض المراسلين بوصفها بـ«المحظورة»، فيما توافق نشاط الجماعة، علنيا وسريا، مع وصفها واسمها، كناد او جمعية دينية تبشيرية، لها الحرية الكاملة، حسب تعريف العلمانيين للديموقراطية، في دعوة الناس للإسلام بالحسنى «فلا إكراه في الدين»، لا حظر عليه. أما القانون فيحظر نشاطها كحزب سياسي دنيوي يتستر وراء الدين فيرفض الالتزام بالقواعد الديموقراطية الدستورية التي اجتمعت عليها الأمة المصرية.

الأمم العظيمة الراقية، علوما وثقافة وحضارة، ابتداء من توفير الغذاء، وعلاج الأمراض المستعصية وتحقيق الرفاهية للمواطن، حتى النزول على القمر، فصلت الدولة عن الكنيسة التي يتعاظم دورها كمصدر ارشاد والهام روحي، وليس بتسيير المظاهرات وخوض الانتخابات. والحزب تعبير سياسي عن مصالح اقتصادية، بالضرورة، لفئات ومجموعات، تمول الحزب ونشاطاته وصحافته - التي تعكس افكاره وبرنامجه السياسي ـ ومرتبات الباحثين والدارسين ومستطلعي الرأي - أي عقل الحزب ـ وتمول حملة إقناع الناخب ببرنامج الحزب السياسي الاقتصادي ومشاريع قوانينه للحصول على اغلبية مقاعد البرلمان.

المانيفستو الانتخابي، هو ثمرة الاجتهاد الفكري للمحللين وخزانات التفكير كالبرنامج الأفضل لتحقيق السلام والتفاوض مع الخصوم ـ في حالة التوتر مع جيران مما يزيد الأنفاق العسكري ـ والأرتفاع بمستوى الاقتصاد. ولهذا تنجح الأحزاب التي يقتنع الناخب ببرنامجها. المانيفستو، هو تجميع نظريات واجتهادات بشرية قابلة للتعديل والتغيير، تخضع للقبول والرفض، كأهم اسس اللعبة الديموقراطية. اما العقيدة فتنطلق من الروح او القلب، ولا تخضع للتحليل العقلاني ولا مجال لمناقشة احتمالات الخطأ والصواب مع بعض رجال الدين.

وفي المجتمعات التي تخلفت على هذا الصعيد، يتدخل الكاهن فيما لا يعنيه كالطب والقضاء، مرهبا المسؤولين بفتواه بتكفير من يخالفه من اهل الرأي..

والإخوان بخوضهم السباق راكبين جوادين سيضمن لهم الخسارة.

هل هم حزب سياسي يخضع برنامجهم ـ مع الشك في وجوده اصلا ـ للصواب والخطأ ورفض الآخرين له؟ ام انهم جمعية دينية يقتصر نشاطها على التبشير؟

كشفت التطورات الأخيرة عورة الإخوان السياسية، وإفلاسهم.

هل لديهم برنامج سياسي بميزانية الإنفاق على مؤسسات الدولة لفترة خمس سنوات اذا ما شكلوا حكومة، يحددون فيه مصادر الدخل ـ والدخل البديل لعشرة مليارات دولار من الدعم الأميركي ودخل السياحة التي سيجهزون عليها بتحريمهم المتع الإنسانية وعزل النساء، وعشرة مليارات اخرى لتوظيف العاطلين نتائج تحريماتهم ـ ونسبة الضرائب التي سيفرضونها وكيف يتم جمعها؟ هل لديهم مشاريع لحل مشاكل المواصلات والإسكان والمرافق والتعليم والسلع المدعومة؟ وكيف سيعيدون تأهيل المدمنين على الإرهاب بفضل فكر منظري الإخوان اصلا؟

لا وجود للبرنامج اصلا، بل يتسترون وراء شعارات فارغة حول تأسيس الدولة الدينية - ولا ندري هل يريدون ان يغرونا بنجاح ورفاهية وتقدم وازدهار الإيرانيين في ظل الجمهورية الاسلامية.

ثم يكفرون ويرهبون ويرجمون من يكشف ان برنامجهم «عريان» من ورقة توت تستر عورتهم السياسية.

رفضهم السلبي والعداء «للصليبيين» كبديل للحوار الدبلوماسي، سيهدر طاقات الأمة ويسكب دم ابنائها في حروب لا ناقة لمصر فيها ولا جمل.

تحرك التيارات السياسية في شوارع ومؤسسات المحروسة، بما فيها الرئيس حسني مبارك من اجل الإصلاح وتقديم الحلول بهدوء مصري اصيل، بعيدا عن فتاوى الإخوان وإرهابهم الفكري بتكفير الناس وعزل النساء، اصاب الجماعة بالذعر والهلع، فحاولت اختطاف الشارع المصري وجعله رهينة تحركات غوغائية ومظاهرات صاخبة ـ ويعلم الله مصادر التمويل ـ لاستدراج قوات الأمن الى صدامات بين المصريين وصرفهم عن الإصلاح.

قوة حركة «كفاية» تكمن في اصالة مصريتها. فقد انطلقت من جذور معاكسة لدعوة الأمريكيين للإصلاح. بدأت الحركة ككرة ثلج تنتقد السياسة الخارجية الأمريكية الفاشلة.

كفاية، هي كلمة مصرية اصيلة لا يفهم عمق معانيها الا ابن البلد المصري. الجار يقولها لجاره اذا «زودها شوية»، والآخ لأخيه المتمادي في الخطأ، مع بقاء الود والمحبة.

ضمت كفاية كل ابناء الأمة ـ كتركيبة الحركة الوطنية، انطلق منها وفد سعد زغلول باشا ابتداء من الأعيان وأبنائهم في مدرسة الحقوق الى الشيالين في محطة مصر ـ ميسورين وفقراء، رجالا ونساء، افندية وأبناء بلد، اقباطا ومسلمين، صعايدة وبحايرة ونوبيين.

رأينا مصر الأصيلة في مظاهرات كفاية الأقرب لمسيرات لندن المتحضرة، من المواجهات الشرق أوسطية مع البوليس، فقد احترم الجانبان بعضهما البعض. كلهم ابناء حضارة السبعة آلاف عام والتي تمثلت في اختيار «كفاية» عنوانا للحركة. فالكلمة لا تنتمي لايدولوجية او عقيدة او حزب، وإنما للمحروسة.

قال الشعب بعفوية «كفاية» لبيروقراطية الانقلاب العسكري التي تحرمه الاختيار، فسبقوا الإخوان والحزب الوطني - وهو الاتحاد الاشتراكي في تغليف جديد ـ وأدرك الرئيس مبارك، بقدرة المصري، الفلاح، وابن البلد، والفنان، والمحارب الوطني، مصداقية ووطنية ومصرية حركة كفاية، فسبق «الوطني» والإخوان وتقدم بمشروع تعديل المادة 76 من الدستور للاقتراب، ولو خطوة، من دستور 1923 العظيم، ثمرة ثورة 1919، لتنتخب الأمة الرئيس مباشرة من مجموعة مرشحين.

استحواذ مبادرة مبارك وحركة كفاية، على اعجاب الامة المصرية، اثار الذعر بين صفوف الجماعة، وبين المدمنين على الفكر الذي روج له زعيمهم الراحل سيد قطب، الذي اصبح المحور الارتكازي لآيدولوجية القاعدة وإرهابها.

هرول الإخوان، بفكرهم المستورد الدخيل على الأمة المصرية المتسامحة، لاختطاف الحركة، والسعي لمصادمات دموية لتثبيت قانون الطوارئ السيئ السمعة، والتي تسعى كفاية ومعظم احزاب مصر لإلغائه. فالديموقراطية والعودة الى الشرعية الدستورية ستكون للإخوان مثل اشراقة الشمس على مصاص الدماء الكونت دراكيولا.

لماذ لم يصدر الإخوان فتوى بتحريم العمليات الإرهابية التي نفذها جهاديون من تلاميذ مدرسة سيد قطب، بنفس حماس تكفيرهم المصريين الذين يخالفونهم الرأي؟

لم يصدر الإخوان فتوى تحرم الاعتداء باللفظ على المصريات الفاضلات لفرض الحجاب.

لم نسمع الاخوان يعتذرون لمصر عن تاريخهم المهين قبل انقلاب 1952، عندما ضحي شباب الوفد والسعديين والشيوعيين والليبرالليين والمستقلين بسنوات شبابهم في سجون الإنجليز، بينما اقتصر «جهاد الإخوان» على وضع القنابل في دور السينما وإحراق المعالم السياحية.

لم يعتذر الإخوان للأمة المصرية او يتبرأوا من افكار وتعاليم تسببت في اهدار ارواح المصريين وضيوفهم على يد الجماعات الإسلامية - التي ولدت من رحم جماعتهم ـ في التسعينات; فكيف يصدقهم المصريون اليوم؟

الغريب هو وقوع الحكومة المصرية في فخ استدراج الإخوان الى مواجهات مع متظاهريهم.

وتحويل الإرهابيين والمشعوذين و«العريانين» سياسيا الى ابطال باعتقالهم، بدلا من تجاهلهم، فالشعب أكثر وعيا من شراء الترام من الإخوان.

املنا الا يقع المسؤولون المصريون في شرك الإخوان، فالمصري «الفصيح» يعرف منذ سبعة آلاف عام، من الذي يضع المحروسة في قلبه، ومن يبيعها لمستوردي الفكر الدخيل... رجاء يا حكومة مصر: لا تصنعوا من الإرهابيين ابطالا.