السعودية .. مدلولات هذه الروح التفاؤلية المتجددة

TT

عانت العلاقات العربية الاميركية من سلسلة من النكسات في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 الرهيبة. والآن ، بعد اربع سنوات ، نحتاج الى التفكير في المسؤولية التي نشاركها في هذه الأوضاع ، فالعلاقات بين العالم العربي وأميركا في حاجة لان تصبح جوهر تفكيرنا ، بطريقة اكثر جدية وانفتاحا مما كانت عليه حتى الآن، لأنني اعتقد ان الشعبين العربي والاميركي هما الخاسران من تلك الحالة ، ولأني أرى من بعد أن الاحداث العظام تقاس وتقيم من وجهة نظر الخسارة والمكسب للأطراف المعنية ، الفائزة او الخاسرة . ولذا يجب ان نسأل انفسنا من هو المنتصر الحقيقي كنتيجة للهوة الناجمة عن أحداث ومرتكبي عملية 11 سبتمبر.

هؤلاء الذين خططوا ونفذوا تلك الجرائم الرهيبة هم بين الفائزين ، اذا لم يكونوا الفائزين الوحيدين. ويمكن للمرء ان يتخيل الإرهابيين وقياداتهم يرفعون اصابعهم بعلامة النصر نتيجة للأضرار التي لحقت بعلاقتنا ، والمخاوف والشكوك التي تركتنا نجني هذا المحصول من الفاكهة الشائكة المرة.

ولنتساءل هنا : لماذا أصبح من الصعب على شاب او شابة الحصول على الوثائق اللازمة للانضمام لمؤسسة علمية عظيمة مثل هذه ؟ من جانبي فأنا لا أتردد في القول ان السنوات التي قضيتها في الجامعات الاميركية هي افضل سنوات حياتي، وأنا على ثقة في رغبتي تجاه رؤية ابني يستمتع بمثل هذه المميزات.

وأنا على ثقة ايضا ان تلك هي مشاعر مئات الألوف من الشباب من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي ، فالشباب العرب الذين تلقوا تعليمهم في الجامعات الاميركية وتخرجوا منها عملوا كجسر يقرب ما بين اميركا والعالم العربي ، مما خلق الأرضية اللازمة للتقدم والتسامح في المجتمعات العربية.

اننا في حاجة لمزيد من العمل ، كما ان لفتة الرئيس الاميركي جورج بوش بالدعوة الى تأسيس دولتين لتخفيف التوتر العربي ـ الاسرائيلي ، والخطة التي قدمها ولي العهد الأمير عبد الله عبد العزيز ، واقرها جميع اعضاء الجامعة العربية، يمكن ان تصبح نقطة الانطلاق لهذا التجمع للاصدقاء القدامى.

وربما فتح الاجتماع الأخير بين ولي العهد وبوش صفحة جديدة، ليس فقط في العلاقات السعودية ـ الاميركية، ولكن في العلاقات العربية ـ والاميركية.

والى ذلك ، وفي حفل عشاء اقيم أخيرا في الرياض ، سألني صديق اميركي: ماذا عن تلك التقارير المتعلقة باستقرار بلدكم ؟ وسألته بالتالي: «ماذا بخصوصها؟» ولفت محاوري نظري الى «سلسلة من المقالات التي قدمت صورة سلبية عن بعض الاحداث في بلادي. وتصادف وقوع حدثين في السعودية ذلك الاسبوع. الأول هو بيع اسهم مصرف جديد اسمه البلاد للمرة الاولى. وسألت ذلك الصديق عما اذا كان يعرف نسبة السكان السعوديين الذين شاركوا في شراء الاسهم، وابلغته ان اكثر من نصف السكان ساهموا فيه. وتحديته قائلا : «قل لي عن أي بلد آخر تساهم فيها مثل هذه النسبة من السكان في مشروع تجاري».

الأحداث الأخرى التي وقعت خلال ذلك الاسبوع ، هي الأعمال الإرهابية الشنيعة التي تعرضت لها مدينة الرس شمال غربي السعودية ، وقد ازهقت خلال تلك الاحداث أرواح بريئة ، خصوصا وسط رجال الأمن الذين نجحوا بشجاعة في التغلب على الإرهابيين. إلا ان الأمر المهم في كل ذلك هو ان تلك الأحداث كانت بمثابة نكسة كبيرة للإرهابيين. ولكن، هل تدرون ماذا جرى عند وقوع هذا الحدث المروع ؟ ارتفعت الأسواق السعودية الى مستويات جديدة. وفي واقع الأمر ارتفعت هذه الأسواق اكثر من 50 بالمائة، علما بأن السوق السعودية (التي تقدر قيمتها بنحو 360 مليار دولار) تشكل 50 بالمائة تقريبا من القيمة الكلية للأسواق العربية مجتمعة.

ومن هنا أقول إن ثمة روح تفاؤل وثقة متجددة بدأت في الظهور، اذ ينظر الكل الى المستقبل بثقة وتفاؤل. ويمكن القول ان التحدي الأكثر إلحاحا الآن يكمن في مجال التطور المؤسسي اكثر من أي مجال آخر. فخلال الـ 12 عاما السابقة اكتسبت عملية إضفاء الطابع المؤسسي زخما كبيرا عند تكوين مجلس الشورى، حيث كانت تصريحات الملك فهد، خادم الحرمين الشريفين، بمثابة خطة واضحة ومتماسكة للإصلاح.

وعلى الرغم من ان اعضاء هذا المجلس يتم اختيارهم، إلا أنه علم مثل برلمان حقيقي في التشريعات ، ويتناول أداء الحكومة عبر نقاش حيوي وحر. ويمكن ان نشير بفخر ايضا الى أداء المجلس الاقتصادي الأعلى وهيئة الاستثمار السعودية بالإضافة الى عدة مؤسسات أخرى.

وأقول هنا إن سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز أعطى دفعة للتقدم الاجتماعي والاقتصادي، اذ أكد في حديث رئيسي له قبل ما يزيد على ست سنوات الحاجة الى منح النساء موقعهن الصحيح ومسؤولياتهن في مجتمعنا. وقد فتحت منذ ذلك الوقت مجالات جديدة ، وأعلن سمو الأمير سعود الفيصل عن فتح وظائف دبلوماسية للنساء السعوديات ، فيما صاحب ذلك تكوين لجنة حقوق الإنسان التي تمارس الآن التفويض الممنوح لها في المحاكم والسجون ، ومتى ما كانت هناك حاجة لتدخلها.

في المقابل ، فقد تم طرح المخاوف بشأن البطالة ، ونوقشت بصورة مفتوحة، وأولت الجهات المعنية اهتمامها بهذا الجانب . ويتولى الدكتور غازي القصيبي، وهو رجل معروف بجديته وسجله الطويل من الإنجازات، مسؤولية هذا الجانب، اذ ان الحلول التي جرى التوصل اليها إما طبقت او في طريقها الى التطبيق.

وفي المقابل أيضا فإن وسائل الإعلام السعودية تتسم اليوم بحيوية ونشاط واضحين ، وهناك مقالات وتعليقات لم تكن تخطر على بال حتى قبل بضع سنوات.

الكثير من هذه التغييرات جرى تجريبها في مجتمعات أخرى. إلا ان السمة الفريدة التي تميز حالة السعودية تتمثل في المنهج العاقل والحكيم للأمير عبد الله في تحقيق الإجماع الاجتماعي ، من خلال الحوار الوطني، حيث بات مئات الرجال والنساء يشاركون في جهد وطني اثبت نجاحه بوضوح. فالقضايا والآراء التي كانت تعتبر ممنوعة او حكرا على جلسات النقاش في المقاهي والبيوت والجلسات الخاصة ، باتت الآن تبث وتناقش بصورة مفتوحة.

ويقودنا ذلك الى الانتخابات التي اجريت في الآونة الأخيرة .. فلا أحد بالطبع يدعي ان هذه الانتخابات كانت افضل نموذج للممارسة الديمقراطية، لكنها كانت بداية ، وبداية جديدة للممارسة الديمقراطية. وفي واقع الأمر يمكننا ان نتطلع الآن الى خدمة الأعضاء المنتخبين كنوع من البنية الأساسية للتطورات المستقبلية.

وأخيرا ، لنا نصيبنا من التقصير ، ولا يزال الطريق أمامنا طويلا ، لكننا نعيش في زمن يتسم بالحيوية ، حيث النجاح المنتظر يفوق كثيرا الخوف من الفشل.

* أحد مستشاري ولي العهد السعودي والمقال مأخوذ من عرض قدمه في جامعة جورجتاون في واشنطن