الجراحة المطلوبة في عقل الطرفين ..!

TT

تشرح حقيقة قضاء المتحدث الرسمي باسم البيت الابيض سكوت ماكليلان بعض الوقت، خلال مؤتمره الصحافي يوم الثلاثاء، لشجب مجلة «نيوزويك»، وإبلاغ محرريها انهم يتحملون مسؤولية «المساعدة في اصلاح الاضرار»، التي لحقت بموقف اميركا في العالم العربي والاسلامي، في الوقت الذي لم يشر فيه بكلمة ادانة واحدة لهؤلاء الذين قتلوا 16 شخصا في افغانستان، في اضطرابات مرتبطة بتقرير «نيوزويك»، يشرح كل ذلك عقليتنا حول لماذا نجتهد لتحقيق الفوز في حرب الافكار في العالم الاسلامي اليوم. فنحن نقضى وقتا اطول من اللازم نتناقش مع انفسنا، او في مواقف دفاعية، ووقتا قليلا للغاية في مواجهة المسلمين في العالم العربي وجها لوجه وإبلاغهم الحقيقة كما نراها.

ويرجع ذلك، في جزء منه، الى اعتمادنا الكبير على نفطهم، وكما يقول المثل «المدمنون لا يقولون الحقيقة أبدا لبائعي المخدرات». ويرجع ذلك ايضا الى ان الادارة تحمست حماسا شديدا للاقتراع في الانتخابات العراقية، بحيث فقدت قدرتها على التركيز. (لا يوجد سفير لنا في العراق في هذا المنعطف الحرج، عندما يبدو من المهم للغاية تشكيل حكومة عراقية متوازنة اثنيا. ولكن لا تقلق، فربما يصلح جون بولتون الامم المتحدة).

كما يرجع ذلك في جزء منه ايضا الى خشيتنا من قول الحقيقة، لأننا نعتقد خطأ، بعدم قدرة الناس على التفكير المنطقي، وان رد فعلهم سيتسم بالعنف. ولذا، اذا ما اعددنا حملة معلومات، فيجب ان تخصص كلها لكي نشرح لهم من نحن، ولماذا لسنا سيئين، ولماذا ارتكبت «نيوزويك» هذا الخطأ. ولا يجب ان يتعلق الأمر بسؤالنا عمن هم ولماذا يتصرفون بطريقة لا تتماشى والقيم التي يؤمنون بها.

وبدلا من ارسال ماكليلان لجلد «نيوزويك» بالسياط، كان يجب على الرئيس بوش القول: «دعونا نقول اولا لكل المسلمين ان تدنيس الكتاب المقدس لأي شخص هو خطأ تماما. وسيتم التحقيق في هذه الاتهامات، وستجري معاقبة مثل هذه التصرفات. هذه هي الطريقة التي سننظر بها للامر. ولكننا نعتقد ان على العالم العربي والإسلامي ايضا ان يواجه الامر عندما يتعلق بكيفية تصرفاته تجاه جريمة اسوأ، وهي تدنيس مخلوقات الله. ففي رد فعل على قصة غير مؤكدة في مجلة «نيوزويك»، قتل المسلمون 16 مسلما في افغانستان في اضطرابات، ولم يحرك احد ساكنا، كما لو انه رد فعل منطقي، هذا خطأ».

وفي العراق، حيث يسعى الأكراد والسنة والشيعة جاهدين لبناء نظام جديد تعددي، يقتل بعض المسلمين هناك الناس من دون تمييز ومن دون كلمة إدانة واحدة لهذه الأعمال من القادة السياسيين او الدينيين.

ربما تكون مجلة «نيوزويك» قد خرقت المبادئ والقواعد الصحافية، إلا ان ما يفعله الارهابيون في العراق وأفغانستان ـ قتل المسلمين الأبرياء الذين يسعون جاهدين الى بناء مجتمع بديل للدكتاتورية، ليس من القرآن بالتأكيد. هؤلاء هم الأعداء الحقيقيون للاسلام، لأنهم يحرمون المسلمين من مستقبل افضل. ما عرفته من الاسلام انه يعلم الشخص كيف يشكر الله ويتقيه لأنه خلقه. لماذا لا يقول رجال الدين ذلك؟ أنا أسأل لأنني اريد ان اعرف.

ثمة مفكرون عرب يتحلون بالجرأة والشجاعة، مثل عبد الرحمن الراشد، طرحوا مثل هذه الاسئلة. فقد كتب الراشد في عموده بصحيفة «الشرق الأوسط» في عددها الصادر يوم الاربعاء الماضي: «عندما ينتبه الآلاف في افغانستان الى خبر في مجلة لا تصلهم، ولا يعرفون لغتها، ولم تسبقهم الى مثل هذا الاحتجاج امم اسلامية تتحدث الانجليزية، مسألة فيها نظر، وتعبر عن خطورة الدعاية واعتماد التنظيمات المعارضة لها، اكثر مما تكشف عن المشاعر الشعبية التلقائية».

قبل بضعة ايام توجهت مجموعة من الصحافيين العراقيين الى الاردن، والتقت كتابا وصحافيين ومحررين اردنيين، طالبة منهم معرفة السبب وراء تعاملهم مع منفذي عمليات التفجير والقتل الجماعي في العراق، وكأنهم أبطال في حرب ضد الاستعمار، إلا ان اللهجة تغيرت. إنها حرب الأفكار.

أكبر احترام يمكن ان نبديه للعرب والمسلمين، وأفضل سبيل لمساعدة المسلمين التقدميين على كسب حرب الأفكار، هو التعامل معهم بصورة جادة والتحلي ببعد النظر. يعني ذلك في مجمله انهم يجب ان يكونوا مسؤولين عن الأكاذيب والنفاق والتصرفات الشائنة، تماما كما يجب ان نكون نحن مسؤولين ازاء أكاذيبنا ونفاقنا وتصرفاتنا الشائنة.

* خدمة «نيويورك تايمز»