هجاء المحبين

TT

لست متأكدا حتى الآن من هو القائل: «يا الله الحب شو بيذل» ـ أو بمعنى أصح (يزل) ـ، ولكنني اعتقد انه دريد لحام عندما كان (غوار الطوشه) قبل أن يصبح حمامة من حمامات السلام ذوات النيات الحسنة، اللواتي لا يتورع البعض عن صيدها أو الإمساك بها وذبحها ونتف ريشها وطبخها وأكلها ومرمشة عظامها، وبعضهم يحشونها (بالفريك) ويقدمونها للضيوف، وبعضهم يحشونها (بالزرنيخ). هذه هي حمامة السلام التي تتغنى بها هيئة الأمم غير المتحدة وتجعلها رمزا لها، وهذا أمر غير مستبعد طالما أن (حمام الحرم) نفسه، وفي داخل مكة لم يسلم من الطبخ أحيانا، وما زلت اذكر قبل أعوام سالفة أنني حللت ضيفاً على مجموعة من الشباب الذين يدرسون الشريعة، وإذا بهم يدعونني للغداء معهم على (كبسة) عشر حمامات كانوا قد امسكوا بها ليلا، رفضت طبعا الأكل ليس بسبب الغيرة الدينية فقط، ولكن لأنني لا أحب لحم الحمام أصلا، ولو أن المطبوخ كان دجاجاً لبدأت أولا بالصدر ثم اتبعته بالفخذ، وسوف اترك الكراعين لغيري. أعود للحب (وزله) وأقول ـ وما أروعني من قائل عندما أقول: انه لم يحبني احد ولم أحب أنا أحداً يوماً (ولن)، كما أنني لم أكن عاشقا ولا معشوقا ـ لهذا السبب فقط ما زلت ولله الحمد خفيف الوزن والحركة والعقل معا ـ، ولم أتعلق يوما (بطرحة) أو أهداب أية أنثى، ولم تتعلق أي منهن يوما لا بطرف شماغي ولا بطرف إصبعي الكبير، صحيح انه سبق لي أن رميت بحالي من (الشباك) بكل عبط يوما ما، متوهما أن هناك حضنا حنونا سوف يستقبلني ويحتويني، غير أنني بدون أي أسف لم أجد غير حجارة الرصيف تدشدش ضلوعي، وصحيح أيضا أنني خضت كأي مغامر صعلوك في بحور الغرام أعوام وأعوام، ولكن صدقوني إنني مع ذلك كله لم ابتل منها ولا بقطرة واحدة، لأنني بكل بساطة وصراحة: عاشق هاو ولست محترفا، أمر على الديار، ديار (ليلى) وأقبل (ذا الجدار وذا الجدار) مثلما يفعل (الخبل) قيس، ولكنني كنت أهدم بعضها، واتشعبط على بعضها، واكتب على بعضها بألوان (السبري) كل ما حفظته قريحتي من الكلمات والألفاظ التي يعاقب عليها القانون.. ولم أندم يوماً على ضربي (للحب بالحائط)، ولا على صفعي للنساء بحنان بالغ على خدودهن الأسيلة، ولا على الإرهاب العاطفي، ولا على لصوصية المخادع، ولا على انتهاك الخصوصيات الملفوفة بورق (السولفان)، ولا على تشجيع الرياح على تطيير الثياب، ولا على الهتاف للصقور عندما تنتش من المرأة ما خف وزنه وغلا ثمنه.

إنني ضجر من نفسي ومأخوذ بها، لا أعرف كيف ألويها لتلويني؟!، ولا كيف أخسف بها لتخسفني؟!، ولا كيف أتعامد معها تحت ضوء الشمس، لتتعامد هي معي تحت بريق النجوم؟!

يا الله الحب شو (بيزل).. فلا نامت أعينكم أيها الجبناء المحبون، ولا هدأ لكم بال، ولا نصع لكم بياض في العيون، ولا أنجدكم منجد، ولا (طول) لكم بالأعمار طول السهر، ولا رفعكم رافع إلا وخبط بكم الأرض من دون سابق إنذار، ولا لاعبكم لاعب إلاّ وضحك عليكم، ولا داخلكم برد إلاّ وجمدكم وجعلكم (تتكتكون)، ولا هب عليكم حر أو سموم إلاّ وقلبكم فوق نيرانه كما يتقلب لحم (الباربكيو)، ولا نبتت (جديلة) شعر في رأس أية فتاة منكم إلاّ تحولت إلى (قرن وعل)، ولا نبتت شعرة في ذقن أي رجل منكم إلاّ وتحولت إلى (لحية تيس).

اللهم يا مالك الملك، اقبل دعاء عبدك الفقير إلى عطفك.

[email protected]