إنها رسالة إلى كتّاب العالم!

TT

منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها خبر استشهاد الصحافي اللبناني سمير قصير، وأنا أسمع هذه العبارة تتكرر: «انها ليست رسالة لسمير قصير وحده لكنها رسالة لكل الكتاب».

نعم.. انها بالتأكيد رسالة واضحة صريحة لكل الكتاب في كل أنحاء العالم، تقول لهم وبصوت مرتفع: اكتبوا! واياكم أن توفروا حرفا واحدا، فلا يزال هناك من يبالي بما تكتبون، وان على كل الذين ابتلوا بجرثومة الكتابة ولا يزالون يكابدون أعراضها، أن يدحروا الوسواس الخناس الذي يصيبهم بين فترة وأخرى، ويوسوس لهم أن الكتابة اليوم ليست أكثر من محاولة لاطفاء بركان هادر بكوب صغير من الماء.

وهي رسالة الى كل كتاب العالم تقول لهم: لا تصدقوا ما تمرون به أحيانا من الشعور بعدم جدوى الكتابة، أوعندما تتساءلون ما الذي يستطيع أن يفعله هذا القلم الأعزل في عصر القنابل العنقودية والسيارات المفخخة والأسلحة الغبية، وعندما يغمرك شعور بسذاجتك وأنك تهدر حياتك وتبدد أعصابك على (كلام جرايد)، أقصى ما يمكن الانتفاع به هو أن يتحول في آخر اليوم الى سفرة للطعام أو غلاف لسندوتشات الفول والبيض.

لكن مقتل هذا الصحافي الجريء، بهذه الطريقة الوقحة يعيد الى القلم مجده!، فطالما أن القلم لا يزال يثير الشهية لاسكاته بقنبلة.. اذن فالقلم يستحق !ما دام لا يزال هناك من يرتجف خوفا من الحروف العارية، فالكتابة تستحق، فتجعلك هذه الجريمة تستعيد ثقتك بأن الكتابة لا تزال تمارس دورها (كعمل انقلابي)، كما كان يصفها الشاعر نزار قباني ولا يزال البعض لا يجد وسيلة لقمعها الا بالطريقة التي تقمع بها انقلابات العالم الثالث.

كان أول درس نتعلمه في المدرسة في الرياض، هو أن أول آية أنزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم هي: «اقرأ. باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الانسان ما لم يعلم».

علم بالقلم.. وبالقلم وحده وليس بأي شيء آخر، الكتابة قدر البشرية منذ أن كتب الانسان بأظافره على جدار كهفه، وحتى عصر الكتابة عبر وسائل (الوورد) والاس ام اس...

وعندما وقف المعتصمون وهم يشهرون أقلامهم في ساحة الشهداء في

بيروت، بدت لي الأقلام المصوبة نحو السماء لوهلة، وكأنها فوهات مدافع متضامنة ومصوبة نحو الشر والجبن والكذب.

الكتب أصدق إنباء من السيوف، بدليل أن الكتب تبقى والسيوف تفنى، وحتى يكون تضامننا مع مقتل زميل حرف وشقيق أبجدية (عمليا)، فان أول ما علينا فعله اليوم هو جمع مقالاته في صحيفة النهار في كتاب، لنعيد احياءه ولنحفظ حروفه من الضياع، فالكل يرحل والكلمة وحدها باقية، منذ ألف عام والمتنبي ينام ملء جفونه وما نزال حتى اليوم نسهر ونختصم حول حروفه، وما نزال ننهل من معين جبران خليل جبران، رغم أن جسده دفن في (بشرّي) منذ أكثر من سبعين عاما، لكن حروفه لا تزال تتكاثر وتتناسل وستظل الى الأبد.

لذلك ليكن أول ما نفعله اليوم هو العمل على اصدار كتاب يتضمن مقالات الصحافي الشهيد لنكون على الأقل قد ساهمنا في هذه المعركة وجعلنا (للكلمة) فيها، الكلمة الأخيرة.

* كاتبة سعودية