الحرب.. حين لا نراها!

TT

لا شك أن عشرات الصور التي تلتقطها أعيننا يومياً سواء عبر المجلات والصحف والتلفزيونات والإنترنت هي التي ستحدد ما الذي ستحفظه ذاكرتنا المستقبلية وكيفية فهمنا للاحداث التي مررنا بها.

ونحن ننظر إلى تلك الصور يغلبنا الشعور بأن هناك نزاعا داخليا في عقولنا حول ماهية الصور التي سنستحضرها بعد سنوات عن العراق مثلاً!! هل سنتذكر صور الإطاحة بتمثال صدام حسين أم سنذكر المقابر الجماعية أم الصور اليومية للسيارات المحترقة والجثث الممزقة في شوارع بغداد أم صور سجن أبو غريب والفلوجة أم صور استغاثات الرهائن قبل ذبحهم!.. حين يتعلق الأمر بالعراق هناك لائحة طويلة من المشاهد التي ستتدافع حكماً في مخيلتنا بعد سنوات حين نتذكر يوم سقوط بغداد وما تلا ذلك من أحداث.. في إعلامنا الكثير من الصور القاسية وهي تتراكم في لاوعينا بشكل غير منتظم، وبالتالي فإن اختبار أثر هذا التراكم غير ممكن بعد.

لا شك أن كل حرب تخلف وراءها صوراً كثيرة لكن هناك لقطات بحدّ ذاتها هي التي تصنع التاريخ.. فنحن حين تضعف ذاكرتنا ويتلاشى حضور التفاصيل تبقى بعض الصور التي ستوضح لنا كيف سنتذكر الأحداث، وذاكرتنا حينها ستكون انتقائية في اختيارها فذلك يعتمد على رؤيتنا للحدث وتفسيرنا له بحسب قناعاتنا التي راكمناها. والمشاهد التي يراكمها الوعي يتفاوت تفسيرها لدى الرأي العام.

في أميركا ساهمت صور آلاف القتلى من الجنود الأميركيين في فيتنام في تقوية الرأي العام الأميركي ضد الحرب. لكن اليوم فإن المصورين الصحافيين في أميركا ممنوعون حتى من تصوير الجنازات العسكرية للجنود الأميركيين الذين يسقطون في العراق. وبحسب تقرير نشر أخيرا فإن الأميركيين لم يطالعوا مرة في صحفهم الصباحية صوراً لإصابات أميركية في العراق وذلك طبعاً إذا أغفلنا صور حادثة التمثيل بجثث أربعة أميركيين في الفلوجة في أوائل عام 2004 وقد أثار نشر تلك الصور جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة. والتعتيم الأميركي عموماً على صور القتلى الأميركيين سواء جنود الحرب أو المدنيين كما حدث في اعتداءات سبتمبر2001 يعود ببساطة إلى رغبة الإدارة الأميركية في عدم إثارة الرأي العام ضدها كما حدث إبان حرب فيتنام. قبل سنة تقريباً، بثت محطة ABC الأميركية صور وأسماء الجنود الأميركيين الذين سقطوا في العراق وأفغانستان وهو ما أثار غضب إدارة الرئيس جورج بوش، إذ لا حاجة للقول إن هذه الإدارة تفضل ألا يطلع الأميركيون على الكلفة الحقيقية للحرب وهو ما لم يروه عبر شاشاتهم وصحفهم بعد.

عرض صور من سقطوا في المعارك في العراق ضروري أحياناً لإظهار بشاعة ورعب الحرب وضرورة وقفها وتجنبها وبناء موقف حقيقي وواع ازاءها. إلا أن التفاوت ما بين ما يراكمه الوعي العربي العام في مقابل الوعي الأميركي العام يقع على طرفي نقيض...

إنها هوة واسعة تلك التي نؤسس لها في المستقبل..

[email protected]