كسرت الخيزرانة

TT

حسب تحليل علم النفس فإن من يضطر لمساكنة ومعايشة مريض بالسادية (أي تعذيب الآخر) فانه يتحول مع الوقت إلى (مازوشي) يتلذذ بحب تعذيب الذات، وهذا ما يتضح جليا في أغنية العراقي الحزين: لا تضربني لا تضرب كسرت الخيزرانة. فالمحب يطلب التوقف عن ضربه، ليس بسبب أن الضرب سلوك لاانساني، بل لسببين الأول: يقول (كسرت الخيزرانة). وثانيا يقول (صار لي سنة وستة شهور من ضربتك وجعانة). ويطرب لهذا النوع من الأغاني عادة الشباب الصغار المخدرون بالأمل والفرح والظن الحسن بأن الحياة تشرع أبوابها للحياة.

لكن الحقيقة هي أن الأمل والفرح والظن الحسن وابواب الحياة المفتوحة، تذهب بينما تبقى الكلمات «الوجعانة والخيزرانة» المكسورة، وتأسيس مشروعية الضرب ثمنا للحب، ولا ينتبهون إلى أنه انضحك عليهم وسمموا بلا مقابل، بل وتعرضوا لغسيل مخ يجعل ضرب الحبيب زبيبا وعنبا وفاكهة وأبا.

أمام احترامي لأحزان بعض العراقيين الذين أحرص على سماعهم كثيرا منذ سقوط صدام حسين، وأحاول أن أكون رفيقة بهم من تحليلاتي الشرسة، وأنصت لهم برحمة ومودة، قابلت زميلتين من العراق تنهدتا وقالتا: كان عهد صدام حسين أرحم. على الأقل كان فيه خبز وسكر وقهوة، فأقول لهم: معليش ستأكلون اليوم ديمقراطية، وستتنفسون بحرية ودون خوف. على الأقل سيحق لكم أن تقولوا (ماكوا أكل بالسوق) من دون أن يعتبر هذا القول تعديا على أسرار الدولة وها هي الانتخابات نجحت رغما عن مطر الرصاص، فتقولان لي: ديمقراطية شنو هذه، الانتخابات نجحت لأنهم ما ينطون العراقي بطاقة تمويل إلا إذا ذهب وأعطى صوته، فأقول: على الأقل لم يفرضوا عليه من يختار. يقولون: لكن ما هان علينا صدام وما هان علينا نشوف كرامة العرب تنهان.

هنا وقفت احتراما لأحزان العراقيين وسألتهما: وهل تتركز كرامة العرب في شوارب صدام حسين وصبغة شعره، وملابسه الداخلية؟ أم في أرواح البشر.

قالت لي العراقية الحزينة: تريدين الصدق أنا ستة من أخوالي اعتقلوا في عهد صدام حسين، ولا نعرف لهم أثرا حتى اليوم، قالت الأخرى وأنا أبي كان مالكا لجريدة أخطأت في صف خبر فاعتقل وأذابوا جسمه في الأسيد حيا، قلت لهما: وبعد كل ما حدث ماذا تظنان بصدام يا أختا العرب، قالتا: ولو ما يهون علينا صدام. فما كان مني سوى أن وضعت يدي خلف أذني كما يفعل ناظم الغزالي، وغنيت كسرت الخيزرانه.

[email protected]