نقيضان

TT

ما أن برزت قصة جريمة تدنيس القرآن الكريم من جنود أمريكيين في معتقل غوانتانامو الشهير ومعرفة الاسلوب الهمجي الذي تعامل فيه بعض هؤلاء الجنود مع كتاب الله، وانكار الادارة الامريكية واعتراضها على تقرير مجلة «النيوزويك»، وهو الذي انفرد بالقصة أولا، عادت الادارة تؤكد وقوع تجاوزات وإهانات لكتاب الله في صور بشعة.

وما أن اعترفت الادارة الامريكية بهذا الفعل الاحمق من قبل بعض جنودها وتأكيدها أن هذه الحادثة لن تتكرر وأن من قام بها سينال عقابه، حتى برزت بعض الاصوات التي تظهر عادة في مثل هذه الأوقات لتروج عبر مقالات تنشر محليا لتروج للفكر الانعزالي الغاضب الذي ساد لفترة ليست بقصيرة، واذا بمقالات عن قراءة «فريدة» مبنية على الكره والبغض للغير عن الولاء والبراء بأسلوب يخالف نهج السنة السوي والنهج العملي الذي قام بتقديمه سيدنا رسول الله صلى الله عليه أفضل صلاة وأتم سلام.

فالأمور هكذا تعتبر فعلا أحمق يولد ردة فعل سلبية عميقة للغاية ويبقي الناس في دوامات من الصراعات يغذيها ويزكيها المتطرفون من كل جانب بلا هوادة.

ولكن يا ترى ما هي المسؤولية الجماعية في السماح لهكذا أصوات باطلاق آرائها وابراز وجهات نظرها وكأنها آراء رسمية ومرضي عنها، مانحة اياها بذلك الذريعة تلو الأخرى لتكريس المزيد من الجو المتشنج والنفوس المؤججة بالشر والكره.

معاقبة المتطرفين بآرائهم وأفعالهم ليكونوا عبرة للغير وتقليص الكثير من المساحة «الممنوحة» لهم على أصعدة، عدة من شأنهما أن يعيدا السوية والاتزان والوسطية الى ساحات الحوار والى حقول العمل بشكل عملي ومفيد.

التاريخ يعلمنا ويوضح لنا أن التطرف الفكري أيا كان يبقى دائما شاذا مهما علا صوته ومهما دعم حجته بآراء وقراءات وتصرفات وأقاويل وسياسات يرى فيها حقا وما هي إلا ارهاصات جهل.

الخطاب المتطرف والمروج له من اعلام ومن جهات مختلفة، مرشح لأن يزيد وأن يستمر في ظل الاحساس بتناقض حججه وفقدان قيمتها وتأثيرها من جهة لأخرى، وكيف أن تلك الأمم انهزمت ماديا وفكريا وعقائديا ومع ذلك حدثت المراجعات للمواقف المتطرفة التي كانت عندها وقررت مراجعة الذات وبناء الجسور.

ان ما يحدث من مهاترات ورهان على التطرف بين الطرفين الغربي والاسلامي لهو نتاج هشاشة المواقف والافكار التي تؤسس قيما معينة، وغالبا ما تكون مبنية على نظرة قاصرة أنها أهم وأرقى من غيرها. استمرار القصور في الخطاب الأممي الشمولي بين الأمم يكرس التطرف وغياب النظرة الانسانية عن ذلك، وما لم يحسم هذا لن تتغير الصورة.