فشل الإصلاح العربي

TT

عندما ذهبت قبل عامين للاسكندرية للمشاركة في ندوة الاصلاح العربي. ذهبت يحدوني هذا الاعتقاد الجازم بأن لا سبيل لاصلاح المجتمع العربي. والآن وجدت اخيرا مؤلفا عربيا، طارق البشري، ينشر كتابا عن هذا الفشل. قرأت النقد المسهب عنه في هذه الجريدة. الاصح ان اقول قرأت نصفه، اذ توقفت بعد ان لمست سببا مهما لهذا الفشل، وهو اللغة.

يتعرض الكتاب لهذه المقارنة المستمرة بين نجاح الاصلاح الغربي وفشل الاصلاح العربي. جل من تناولوا هذه المقارنة اخطأوا فيها. الحقيقة ان الغربيين هم الذين فشلوا. فقد استغرقوا ثمانية قرون ليصلوا الى ديمقراطيتهم الراهنة ويعطوا المرأة حقوقها الكاملة والمفكرين والفنانين حريتهم التامة. ما نمر به مر به الغربيون قبل خمسمائة سنة. هم ايضا كانوا يكفرون الناس ويحرقون المفكرين وكل من يعتقد بأن الارض كروية. وبموجب هذا القياس علينا ان ندرك بأننا سنحتاج الى ما احتاجوا اليه، وهو خمسمائة سنة. ولكننا طبعا نستعمل الحروف العربية في حين اعتمدوا هم على الحروف اللاتينية التي سهلت لهم الطريق. هذا يعني ان علينا ان نضاعف المدة فنقول سنحتاج الى الف سنة. بدلا من خمسمائة سنة للوصول الى ما وصلوا اليه.

اذا سلمنا بذلك، فسيسهل علينا التخطيط لهذه المدة. وهو ما كان على المشاركين في مؤتمر الاسكندرية ان يخططوا له، وهو انجاز اصلاح المجتمع العربي في الف سنة. استطيع في الواقع ان ارسم تخطيطا اوليا لهذا المسار الاصلاحي.

بعد المائة سنة الاولى ستحصل لدينا القناعة الحقيقية لضرورة الاصلاح العربي وسيكون ذلك انجازا مهما.

بعد مائة سنة اخرى، اي بعد مائتي سنة سنكتشف ان كثيرين ممن تكلموا عن الاصلاح العربي ونادوا به لم يعنوا كلمة واحدة مما قالوه ولا عرضوا أي شيء عن العلل التي عانى منها المجتمع العربي.

مائة سنة اخرى، اي بعد ثلاثمائة سنة شمسية، سيدرك المسؤولون انه قبل البدء باصلاح اي شيء علينا اولا اصلاح الحروف التي نكتب بها بحيث تجعل القارئ يفهم ما يقرأ حالا ويوفر للكاتب نصف وقته في البحث عن مكان الهمزة والتفرقة بين الالف الممدودة والالف المقصورة.

بعد اربعمائة سنة، سيجرؤ احد وزراء التربية على ادخال الداروينية ونظرية التطور ضمن مناهج الدراسة الثانوية.

بعد خمسمائة سنة سيكتشفون من اغتال ذلك الوزير ولأي منظمة ينتمي.

بعد ستمائة سنة ستعترف تلك المنظمة بأنها كانت على خطأ وان القاتل كان رجلا جاهلا تصرف بمحض ارادته.

بعد سبعمائة سنة سيحولون الثكنات العسكرية الى مستشفيات ومدارس لا ينشدون فيها اناشيد وطنية.

بعد ثمانمائة سنة ستقوم المرأة العربية بطبخ الرز والمحشي بالكومبيوتر.

بعد تسعمائة سنة سنحرق كل كتب التاريخ المقررة الآن.

بعد الف سنة سوف لا نجد من نريد ان نلحق بهم، إذ سيكون الغربيون قد هجروا الكرة الارضية ورحلوا الى كوكب آخر نظيف خال من الامراض ومن الفقر والظلم والقتل والحاجة للاصلاح.