عقدة الشهادة

TT

زوجة الرئيس السوداني عمر البشير تستحق ان تمنح لقب سيدة العام، رغم انه تبقى على نهاية السنة ستة أشهر أخرى. التقدير لها، لا لأنها قامت بعمل استثنائي اجتماعي، او سياسي مميز، بل لأنها لم تفعل. بذلك خرقت المألوف عند عائلات القيادات، التي تريد دائما الظهور بمظهر التفوق الجيني، والتميز في كل شيء، حتى في الشهادات. السيدة الكريمة اجتازت قبل ايام امتحان الثانوية العامة، لا شهادة الدكتوراه ، ونجحت بأقل درجة، حدا قارب درجة الرسوب، 70 في المائة فقط ، ولم تحصل على المركز الأول بتفوق ومرتبة شرف. هي زوجة الرئيس، وتستطيع ان تحصل على ترقية تعليمية استثنائية، ودرجة المائة لو شاءت أو شاء زوجها، وستسر الكثير من ادارات جامعات البلاد، ان تعطيها كرسيا وتمنحها فورا الدكتوراه في أي مجال تريد.

ولكنها لم تفعل ، بل سارت الى السلم التعليمي العادي ، وبنتيجة عادية ، بعيدا عن عقد الشهادات ، وبذلك كسبت تقديرنا، وتقدير الناس ، أعظم من كل الشهادات بكل تأكيد.

ما الذي يفيد زوجة الرئيس ان تذهب للمدرسة ، وتنافس على مرتبة علمية متواضعة ، لا شيء سوى الرغبة في العلم، هذا أمر مؤكد ، لأنه لا يعقل ان تدخل الثانوية لغير هذا السبب، وهو أمر نحترمها لأجله، وهي نموذج تستحق معه التقدير اكثر من حاملات الشهادات العليا، ونحترم فيها صدقها مع نفسها، ان تقبل بنجاح متواضع. لا اعرفها، ولا بد انها سيدة غير عادية في محيط التفاخر الذي يحيط بمجتمعات الرئاسة في كل مكان. ومع انني اظن ان هناك سادة وسيدات في مراتب سياسية عليا، يتميزون بالتفوق العلمي ويستحقون الشهادات العليا بمراتب مميزة، وان كانت حالات نادرة ، فان التعليم لم يكن قط هدفه المفاخرة الاجتماعية كما نراه اليوم في الذي تحولت معه الجامعات الى دور ضيافة حكومية ، في حين ان الشهادات لم يكن هدفها ان تعلق على الجدران بقدر ما ان تحفظ داخل العقول.

وعندما شاعت قصص منح الشهادات العليا المزورة في الجامعات الاميركية للطلاب العرب الكسالى ، اثارت الظاهرة استغراب الناس هناك، لماذا يأتي طالب هنا ويحصل على شهادة مزورة ، وهو يستطيع ان يحصل عليها بطريقة عادية ويحصل معها على علم عظيم؟ بل لماذا يزور احد شهادة علمية؟

طبعا كان صعبا ان نشرح ان النظام الاداري والنظام الاجتماعي يكافئ الشهادة اكثر مما يكافئ حاملها. فكلما ارتفعت المرتبة العلمية للشهادة ، ازدادت حظوظ الترقية والعلاوات المالية المرتبطة اولا بالشهادة ، دون النظر في حقيقة حاملها وقدرته على اداء عمل جيد. وهذا امر يحدث غالبا في القطاع الحكومي ، اما في القطاع الخاص، فان الشهادة ليست سوى بطاقة تعريف، لا تؤمن وظيفة مضمونة ولا علاوة مالية، فان كان صاحبها كفوء كما تقول شهادته ، فهو سعيد الحظ وله مستقبل طويل وباهر، اما اذا كان متعلما لكنه غير منتج، فان حظه مثل حظ حامل الابتدائية، او ربما اقل.

[email protected]