الرسالة الأخيرة إلى صدام

TT

لم يصدر جورج بوش (أب) أي كتاب في حياته، ففي باب المذكرات اتكل على زوجته بربارة تروي حكايات الأسرة. وفي حرب العراق وضع كتاباً مشتركاً مع مستشاره للأمن القومي برنت سكوكروفت. لكن الآن يصدر لجورج بوش كتاب «خاص» هو عبارة عن مجموعة رسائل بعث بها الى سياسيين ومسؤولين في مناسبات مختلفة. وعندما تقع على كتاب من هذا النوع، ما هي الرسالة الأولى التي يخطر لك ان تقرأها؟ طبعا لقد حزرت. في 5 كانون الثاني (يناير) 1991 يكتب جورج بوش الى صدام حسين الآتي:

«فخامة السيد صدام حسين» رئيس الجمهورية العراقية، بغداد السيد الرئيس: ها نحن الآن عشية حرب بين العراق وبقية العالم. هذه الحرب بدأت في اليوم الذي اجتحت فيه الكويت ولن تنتهي إلا يوم ينسحب العراق كليا وبغير شروط وفقاً للقرار 678 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. واذا كنت اخاطبك شخصيا اليوم فذلك لأن الحالة على درجة من الخطورة لا يجوز معها اغفال اي فرصة توفر على الشعب العراقي كارثة متوقعة. انني اكتب اليك لأنه قيل لي انك تجهل مدى عزلة العراق، وما يتوقع لبلادك نتيجة ذلك (...) ان هذه ليست رغبة الولايات المتحدة وحدها بل هو ايضاً موقف الاسرة الدولية كما تم التعبير عنه في 12 قرارا اتخذها مجلس الأمن.

ان افضليتنا بالتأكيد هي نهاية سلمية. لكننا في الوقت نفسه لن نقبل بما هو اقل من التطبيق الكلي للقرار الدولي 678. لا يمكن لأي عدوان ان يكافأ. ولن تكون هناك مفاوضات. ان مبادئنا تستبعد كل تسوية. واذا قبل العراق هذا القرار استعاد موقعه ضمن الاسرة الدولية. وفي المستقبل القصير المدى سوف يتجنب القادة العسكريون العراقيون الخسائر الكبرى. وفي المقابل فإنك اذا لم تنسحب من الكويت، كليا ومن دون شروط، فسوف تخسر ما هو اهم من الكويت ـ فإن هذا البلد يحرر غدا ويعود الى موقعه ـ أما انت فسوف تخسر مستقبل العراق. ان الخيار بين يديك (....) أكرر. الخيار بين يديك. واحب ان اعتقد انك سوف تتخذ قرارك بكل ضمير وكل حكمة، لأنه قرار تتوقف عليه مضاعفات هائلة؟؟ استخدم بوش كلمتي «ضمير» و«حكمة» ونسي الكلمة المفتاح في هذه الحالات: «حق الكرامة». فعندما احتل صدام حسين الكويت، اعتبر ان الارض ملكه والشعب خائن وان لا كرامة لأحد سواه.

فإذا انسحب لن يحافظ «على مستقبل العراق» بل هو سوف يخسر كرامته «امام الناس» وبدت قضية دولية وانسانية في هذا الحجم، وكأنها مسألة مبارزة في تكريت بين ابناء الحارة. الرسالة الأخرى المشابهة جاءت الى صدام حسين من الشيخ زايد قبل ان يخسر بقية العراق وبقية المستقبل ولا يبقى له سوى 2000 محام اردني لم يسمح لأحد منهم بقراءة ملف الدعوى او دخول العراق.

ماذا لو صدق صدام حسين جورج بوش في المرة الأولى والشيخ زايد في المرة الثانية. سؤال ساذج طبعاً امام عبقرية الانتحار العربي.