حتى تختفي هذه العبارة!

TT

قال لنا أستاذنا العظيم أرسطو: إن الدهشة هي بداية المعرفة!

يعني: إذا رأيت شيئاً غريباً عجيباً وأدهشك فهذه هي البداية. تقول: ما هذا؟ ولماذا هذا؟ وكيف هذا؟ ويمضي العمر كله، عمرك، أو أعمار غيرك من البشر، يسألون ويعرفون ويعلمون الناس أن يفعلوا مثلهم. وأنا أشتغل بالتدريس في الجامعة كان من ضمن القضايا التي أناقشها مع الطلبة: تاريخ الإلحاد. لماذا؟ لأن مثل هذا الموضوع يصدم الطلبة الصغار يدفعهم إلى التفكير بلا خوف من أي شيء، لأن هدفهم أن يفهموا، أن يحللوا، أن يسألوا، أن يتلقوا الإجابة عن هذه التساؤلات.

ومن أجمل الكتب الصغيرة التي كنت أدعو الطلبة إلى قراءتها ودراستها والتأمل طويلاً فيها، كتاب «المنقذ من الضلال» للإمام الغزالي. الكتاب صغير في ثلاثين صفحة. ولكن فيه العجب العجاب من صفاء الذهن وحرية التفكير والشك سبيلاً إلى اليقين. وكنت أقول وما أزال، إن الإنسان يجب أن يتساءل، وأن يحاول أن يجسد هذا الذي يثيره في الدين والأدب والفن والسياسة، وأن يكون التساؤل أسلوبه، وأن تكون معرفة الإجابة منهجه في الحياة.. فالشعوب تقدمت عندما تساءلت وأنكرت واستنكرت وظهرت أمامها إجابات كثيرة لأناس كثيرين.

وقد تسلطن الفيلسوف الإغريقي أرسطو على الفكر الأوروبي ألفي سنة. ولم يجرؤ أحد على مناقشته. أي على التساؤل عن هذا الذي يقول، مع أنه هو الذي طلب إلى الناس أن تسأل. بعبارة أخرى، كانت الكتب القديمة بعد أرسطو، إذا شرحت نظرية في الفلسفة أو في الطب أو في علم النفس أو العلوم الأخرى، تضع باللغة اللاتينية هذه العبارة التي تطبق عين القارئ وتسد أذنيه وتصد عقله. العبارة تقول: «هكذا قال أرسطو».

فلا عرفت أوروبا النهضة والثورة الفكرية إلا عندما حذفت هذه العبارة. لأنه إذا كان أرسطو له رأي، فنحن أيضاً.. وإذا كان هذا رأيه فليس رأينا.. إنه رأي قديم وهو لم يعش في دنيانا.. فالنهضة العلمية والأدبية والفلسفية بدأت بعد أن أزاحوا مثل هذه العبارة التي توصد أبواب الاجتهاد في التفكير. فأرسطو ليس إلا فيلسوفاً من بين مئات الفلاسفة. صحيح أنه عظيم، ولكنه ليس كذلك في كل الذي قال. وهو قد راح ضحية بعض معتقداته أو ظنونه الخاطئة. فقد كان يظن أن ماء البحر به تياران: واحد بارد وواحد ساخن. ونزل إلى البحر عارياً ليتأكد. ولأنه لا يعرف السباحة فقد غرق.. وكان أرسطو يعتقد أن عدد أسنان المرأة أكبر من أسنان الرجل، وليس صحيحاً!

وما دامت مثل هذه العبارة موجودة في فكرنا السياسي والاجتماعي والأخلاقي فلا دهشة إذا ما وقف نمونا ولم نتقدم في أي مجال!