ماعز وذئب وبرسيم؟

TT

في حوار إضاءات لتركي الدخيل على قناة «العربية»، حاصر المحاور ما زعم أنه الحوار الدائر حول خلفية طلب عضو مجلس الشورى بطرح توصية قيادة المرأة للسيارة للنقاش. وليس وحده تركي الدخيل الذي يصله ما يقوله الناس بل تسمع هذا الكلام في كل مكان.

وعلى هامش كل رأي منشور، وكل تعليق محشور من بينها، هل حلت جميع مشكلات النساء ولم يبق إلا هذه؟ ولو سألتهم: حسنا، ألقوا بمشكلاتكم أيها الوزانون للأمور، لقالوا لك: عندك مشكلة العنوسة أهم، وحلها أن تتنازل كل امرأة عن غرورها وتقبل بزواج مسيار، أو أن تكون زوجة ثانية وثالثة. ورغم تقديري لنباهتهم إلا أن الحقوق ليس لها ترتيب أبجدي!

بعضهم يقول إن العاصمة الرياض تعاني من زحام، فكيف لو خرجت ثلاث من البنات في العائلة يقدن ثلاث سيارات أخرى؟ لقد أفحموك! فالحل ليس بيد وزارة المواصلات كما فعلت دبي، التي تعتزم تنفيذ طرق لقاطرات كهربائية للنقل العام بتكلفة ستين بليون دينار حلا لمشكلة الاختناقات المرورية التي بدأت تلمسها، قد يعزف بعدها الرجال أنفسهم عن القيادة وتصبح قيادة السيارة عادة متخلفة وقديمة وغير عملية، بل وتنصرف عنها النساء بخيار شخصي منهن.

هناك حل ارخص وأسهل، وهو عدم السماح للمرأة بالقيادة، وهذا النوع من حل المشكلات يسمى «الحل الباتر في الزمن القاهر». بعضنا يخوفنا من شبابنا الذين هم أبناؤنا وليسوا أبناء الكوكب المجاور، فيقولون إنهم «وحوش غير مهذبين حمقى قليلو التهذيب والتأديب أولاد شوارع»، والحل ليس في نقد نظامك التربوي والتعليمي. ليس مهما أن تربي أبناءك، لا من اجل أن يقدن النساء السيارة، بل ليحظى مجتمعك بأفراد أسوياء إيجابيين. الحل الأسهل، دع شبابك وحوشا قليلي تهذيب، وامنع النساء من قيادة السيارة.

يقول الآخر لماذا تريد أن تتخلص من عبء تقول إن السائقين يكلفونك إياه، لم يبق إلا أن تقول: خلصونا من عبء الخادمات، وكأن وجود 812 ألف سائق وخادمة في المجتمع السعودي ظاهرة صحية وطبيعية، كأن الخادمات هن عماد المجتمع، وهن أمهاتنا اللاتي لا يصلح حال من دونهن، كأن وجود خدم بعدد أفراد الأسرة ظاهرة طبيعة وصحية، وليس من المهم جرها لحلبة النقاش لإعادة التوازن لمجتمعنا، ليصبح مجتمعا سويا يربي أبناءه الأمهات والآباء وليس الخادمات والسائقين، مع احترامي للغلابة المساكين.

هذا فقط نموذج لطريقة بعض المناقشات التي تتبع نظام الترويع بإيقاف النفس، وزرع عظمة في حلق محدثك. نناقش مشكلاتنا بطريقة تعجيزية، لا تطمح لتلمس الحل بل لتبرير عجزنا عن حلها.. نطرح مشاكلنا على شكل ألغاز حتى صارت لغزا، كيف تقود المرأة السيارة يشبه لغزا.. كيف تنقل ماعزا وذئبا وحزمة برسيم للضفة الأخرى بواسطة قارب من دون أن يأكل الذئب الماعز، ودون أن تأكل الماعز حزمة البرسيم.

[email protected]