انتصارات أكراد العراق تحرك إخوتهم في المنطقة..!

TT

إنه أمر طبيعي وغير مستغرب، أن يتأثر أكراد المنطقة كلها، وبخاصة في إيران وتركيا وسوريا، بالانتصارات التي حققها إخوتهم وبنو قومهم في العراق، وكان يجب ان يكون متوقعاً بالنسبة للمعنيين والمراقبين إن عن قرب، وإن عن بعد، ان رؤية جلال الطالباني رئيساً للجمهورية العراقية وان تكريس مسعود البارزاني زعيماً ورئيساً لإقليم كردستان العراقي، سيؤديان حتماً الى ارتفاع معنويات كل أبناء الأمة الكردية في هذه المنطقة وخارجها، وسيجعلانهم أكثر جرأة على المطالبة بحقوقهم التي لم يكونوا قادرين على المطالبة بها قبل عامين وأكثر.

لا يمكن فصل تململ أكراد سوريا عما جرى في العراق، والمؤكد ان رؤية جلال الطالباني رئيساً لواحدة من أهم دول المنطقة، وتكريس مسعود البارزاني زعيماً ورئيساً لإقليم كردستان العراقي، كانا بمثابة «حليب السباع» الذي شربه أكراد إيران، الذين تقدموا عشية الانتخابات الرئاسية الأخيرة الى طهران بخمسة عشر مطلباً، مع أنها كلها مطالب محقة، إلا أنهم ما كانوا قادرين على إعلانها بكل هذه الجرأة، وعلى هذا النحو لو أن ما حصل في العراق لم يحصل.

وبالتأكيد فإن ما ينطبق على أكراد إيران وأكراد العراق، ينطبق على أكراد تركيا أيضاً، حيث، كما جاء في الانباء، رفض حزب العمال الكردستاني الذي كان أوقف القتال قبل عامين من طرف واحد كبادرة حسن نوايا تجاه أنقرة، نداءً أطلقه نحو « 100» من المثقفين الأتراك يدعو الى وقف العنف وإلقاء السلاح من دون شروط مسبقة، والمعروف ان عمليات هذا الحزب العسكرية ضد الجيش التركي في المحافظات والولايات التركية الجنوبية _ الشرقية، التي تسكنها أغلبية كردية، كانت قد شهدت تصاعداً ملحوظاً في الفترة الأخيرة.

لا شك في أن النضال المطلبي والقومي لأكراد إيران وأكراد تركيا، وأكراد سوريا بوتيرة أقل، مثله مثل نضال أكراد العراق، قد اتخذ أشكالاً متعددة ولم يتوقف منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وما ترتب عليها من قيام دول قومية ووطنية في هذه المنطقة وخارجها، على أنقاض الدولة العثمانية التي انهارت انهيارا كاملاً كنتيجة من نتائج تلك الحرب التي كانت لها نتائج كثيرة.

لكن معظم تلك النضالات والتضحيات كانت قد اتخذت، في الكثير من الأحيان، طابع رد الفعل التنفيسي إزاء ما تعرض له الكرد من ظلم قومي واضطهاد سياسي واجتماعي في هذه الدول المشار إليها، كما ان تحركاتهم كانت تتخذ طابع الهبات والفورات الآنية التي كانت تنتهي دائماً بكوارث بشرية، في ظل حالة السبات العميق التي كان يعيشها الضمير العالمي تجاه قضية محقة لأمة لحق بها غبن تاريخي، ولها الحق ان تتحرر وان يكون لها دولتها القومية المستقلة، أسوة بكل أمم الارض التي نالت استقلالها، وقررت مصيرها بنفسها خلال النصف الأخير من القرن الماضي وقبل ذلك.

لقد قاوم أكراد ايران الذين كانوا أقاموا ذات يوم جمهورية «مهيباد»، ولم يتوقفوا عن المقاومة قبل انتصار الثورة الإيرانية وبعد ذلك، ولكنهم لم يشعروا بارتفاع المعنويات وبأن الحلم سيصبح حقيقة، إلا بعد ان حقق أكراد العراق الانتصارات التي حققوها بعد إسقاط النظام العراقي السابق.وما ينطبق على الأكراد الإيرانيين ينطبق على أكراد تركيا وأيضاً على أكراد سوريا بحدود معينة.

ولذلك ولتفادي الاقتتال والمزيد من الاقتتال، وشلالات الدماء والمزيد من شلالات الدماء، والمآسي والمزيد من المآسي، فإنه على الدول المعنية وأنظمتها القائمة ان تأخذ العبرة من الدرس العراقي، وتعترف للأكراد فيها، ليس بمجرد حقوقهم المطلبية فقط، وإنما أيضاً بحقوقهم القومية ـ السياسية. وإذا كان هذا غير ممكن ومتعذر دفعة واحدة فبالتدريج، وبخطوات متلاحقة وبحيث تشكل كل خطوة مرحلة تتبعها مرحلة متقدمة جديدة وفي الاتجاه ذاته.

على هذه الدول المعنية كلها ان تدرك وأن تعرف ان موعد دفع الاستحقاقات التي بقيت تتحايل عليها وبقيت ترفض دفعها قد حان. وأن لكل أمة لحظة تاريخية، وان اللحظة التاريخية للأمة الكردية هي هذه اللحظة، وانه من الأفضل والأسلم ان تُدفع هذه الاستحقاقات بالتفاهم وبالوسائل السلمية، لأنها إن لم تدفع بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة فإنها ستُدفع حتماً بالقوة وبالتدخلات الخارجية.

ربما يعتقد البعض ان انتصار أكراد العراق الحالي سيكون آنياً ومؤقتاً ومجرد لحظة عابرة في التاريخ وعلى غرار ما حققه أكراد إيران عندما أقاموا جمهورية «مهيباد» الآنفة الذكر التي جرى اغتيالها بينما كانت لا تزال في المهد.. وهذا ممكن ومتوقع إذا انقلبت المعادلات في هذه المنطقة وفي العالم رأساً على عقب وإذا تكالبت الأمم على ما حققه الأكراد العراقيون، كما تكالبت على ذلك الإنجاز الذي حققه الأكراد الإيرانيون بعد الحرب العالمية الثانية.

قد تصاب التجربة الكردية العراقية بانتكاسة لكنها بالتأكيد لن تكون كانتكاسة تجربة جمهورية «مهيباد»، فالظروف الآن تختلف عن الظروف التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، والحركة الوطنية في كردستان العراق التي بقي نضالها مستمراً لنحو نصف قرن اكتسبت خبرة غنية، وحققت إنجازات على الأرض، وغدت رقماً صعباً في المعادلة الجديدة لا تستطيع أية جهة إلغاءه أو القفز من فوقه، وحتى وإن تسلحت هذه الجهة بقدرات ونفوذ بعض الدول المجاورة.

إن المؤكد ان أي دولة تعاني من أوجاع وآلام الضرس الكردي في فكها الملتهب، ربما لن تسكت إزاء ما حققه أكراد العراق وإنها ستحاول التلاعب بالمعادلة العراقية الداخلية لشطب كل هذا الذي تحقق. لكن ما يجب ان يكون معروفاً، استنادا الى حقائق التاريخ الكثيرة الشاخصة، ان موعد دفع استحقاقات الامة الكردية التي طال ليلها قد حان، وان هذه الامة يجب ان تقيم دولتها المستقلة الى جانب الدولة الإيرانية والدولة التركية والدول العربية كلها.

إذا أرادت الدول المعنية التي ترى ان لديها مشكلة كردية ان تتجنب الخضات الأمنية والسياسية التي هي مقبلة لا محالة، فإن عليها ان تبادر الى فعل ما لم يفعله صدام حسين، وهو الاعتراف الطوعي للأكراد بحقوقهم القومية والوطنية، فهذه مسألة غدت ملحة وضرورية وغدا تأجيلها إن بالقوة أو بالتحايل غير ممكن، وستكون عواقبه مكلفة ووخيمة.

حتى عندما يقول زعيم الأكراد الأبرز مسعود البارزاني إنه لا يسعى للانفصال، وإن أبناء شعبه يريدون الوحدة مع العرب، فإنه يتحدث عن مرحلة مؤقتة وعابرة، يريد ان لا يتعرض ما حققه إقليم كردستان العراقي خلالها الى انتكاسة استراتيجية، ويريد ان يتفادى تأليب الدول المجاورة على هذا الإنجاز الذي تحقق، لكن الحقيقة التي يتجنب قولها الآن، هذا القائد التاريخي، وأيضاً زميله جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق، هي ان للشعب الكردي حيث يتواجد حقوقاً قومية، وأنه لابد من الاعتراف بهذه الحقوق القومية، إن ليس في هذه المرحلة ففي المراحل اللاحقة القريبة.