الخادمة أولا

TT

في المظاهرات اللبنانية لخروج القوات السورية ظهرت نكتة تقول إن سيدات برجوازيات أبين إلا أن يشاركن في المظاهرة، فصحبن معهن خادماتهن السريلينكيات يحملن عنهن لافتات تقول (ماي مدام وونت سيريا اوت)، لكن السيدة السعودية التي لم تتظاهر خرجت للتريض في ممشى شارع (الحوامل)، فصحبت معها الخادمة التي تتريض عادة بغسيل الصحون وشطف البلاط، لتحمل لها حقيبتها وتقطع الممشى جيئة وذهابا، السيدة لتخسر السعرات الحرارية، والخادمة لتحمل الحقيبة.

ليست هذه هي أسوأ صورة كاريكاتيرية لحضور الخدم في حياتنا، بل ما حدثتني به سيدة احضرت مربية لأطفالها الثلاثة الذين أنجبتهم على التوالي سنة بعد سنة، لتكتشف أن المربية ( شاذة جنسية)، أنا شخصيا قطعت تذكرة لسائقي الذي شكا منه طفلي الصغير يوما بسبب أن يده تصطدم به على الفاضي والمليان.

أعرف أن الكثيرين سيغضبون مني، لأنني أمس مقدرات ومكتسبات تسربت في حياتنا في عصر الطفرة النفطية الذهبية، حتى صارت مثل أعمدة المنزل، لكنني لا أحاول تقويض وجود الخدم، بقدر ما أحاول تحديد هذا الوجود، والوعي به والاعتراف بخطورته، فصديقتي تقول ضاحكة، إن منزلها يتحول إلى كارتون تتساقط جدرانه على رؤوسهم حالما يسافر السائق، فخزان المياه لا يجد من يعبئه والمسبح يغص بمائه فلا يجد من يصرفه. والسيدة الأخرى تقول نتحول إلى أيتام حين تسافر خادمتنا، وأخرى دخلت عليها لأجدها تدون مطلع قصيدة مديح في سائقها يقول مطلعها ( يا حلاه يالسواق كل ما قلت له قوه وداني)، وتفكر أن ترسلها للمطربة احلام لتغنيها لها في الأفراح السعودية.

والسبب أن معايير حياتنا قد شكلت على مقاسات وجود خدم، وليس حسب مقاييس طاقتنا نحن، لهذا نشعر بالضياع حالما يسافر الخدم ونصبح ايتاما بعد أن صار السائقون والخادمات امهاتنا واباءنا الجدد!

احدى السيدات شعارها (انجبي الأطفال، طالما انعم الله علينا بالخدم) لهذا ما أن تسافر هذه السيدة في الصيف من دون خادمة حتى تتعارك العائلة وتتخاصم، فكل منهم يصيح في وجه الآخر هل انا خادم عندك؟! الاعتماد على النفس ومساعدة العائلة أصبح من مهام الخادم المهان.

اتمنى لو يجبر السعوديون جميعهم على اخذ اجازة ويسافرون لوحدهم لتجربة مقاييسهم الذاتية من دون خدم، أرى أن كثيرات منهن ستصرخ: الخادمة أولا!

[email protected]